الصحفيين الأجانب عملاء وجواسيس فقط فى دولة أردوغان البوليسية، هكذا نكل النظام التركى بالصحفيين فى سجونه، فقبل سنوات شنت الشرطة التركية حملات ملاحقة لكل من يعارض حكومة العدالة والتنمية، وفى عام 2013 تعمق القمع وزاد النظام من ديكتاتورية بعدما ظهرت فى وسائل الإعلام عام 2013 تسريبات لمحادثات هاتفية بدت أنها تتهم الرئيس وحلقته المقربة بمزاعم فساد.
وجرى التضييق بشدة على حرية التعبير، مما أدى إلى تراجع تصنيف تركيا فى حرية الصحافة، واتهم الصحفيين والكتاب والفنانيين بالخيانة ووصفت تركيا بأنها أول بلد فى العالم بمجال سجن الصحفيين، ونددت باعتقال مئات الصحفيين والإعلاميين وأغلقت الأجهزة الأمنية مؤسسات إعلامية عدة بسبب مواقفها الرافضة لسياساته القمعية والتعسفية.
وفرضت الدولة التركية قيودًا على وسائل الإعلام من خلال فرض الغرامات التأديبية التى يتم تطبيقها بشكل انتقائى تجاه كل من يناهض الحكومة، كما تشن الحكومة حملات تشهير ضد الصحفيين، وتقوم بعمليات احتجاز دون محاكمة لبعض الصحفيين بتهم الإرهاب، وصنفت لجنة حماية الصحفيين الدولية تركيا السنوات الماضية بأنها البلد الأول عالميًا فى قمع الحريات الصحفية وسجن الصحفيين.
وكان إيرول أوندير أوغلو ناشطًا يدافع عن حرية الصحافة وواحدًا من بين الشهود على قمع الصحفيين، وكان يعمل ممثلاً لمنظمة صحفيون بلا حدود وهو واحد من 150 صحفيًا تذوقوا سجون النظام بعد اعتقاله عام 2016 أثناء حضور اجتماعا دعت إليه صحيفة أوزغور غونديم الكردية، للاحتفال بيوم حرية الصحافة العالمى، واتهمت الحكومة الصحيفة بنشر "دعاية إرهابية كردية" وقررت إغلاقها، وقضى إيرول 10 أيام فى السجن، وعندما يروى معاناته فى تلك الفترة يكاد يجهش بالبكاء بحسب تقرير لـ"بى بى سى" البريطانية.
وفى أكتوبر 2016، أقام صحفيو صحيفة جمهوريت احتجاجًا خارج المكتب بعدما أعتقل صحفيوها فى التاريخ نفسه، حيث داهمت قوات الأمن التركية مكاتب الصحيفة العلمانية، واعتقلت محرريها، كما غادر العديد من الصحفيين المعارضين للحكومة أو أودعوا السجن، الأمر الذى دفع مثل منظمة صحفيون بلا حدود بالقول إن "يسيطر الرئيس - بشكل مباشر أو غير مباشر- على 80% من الإعلام التركى".
وفى اعقاب محاولات الإطاحة بالنظام فى مايو 2016، أغلقت السلطات التركية المئات من المؤسسات الإعلامية، واتهم العديد من الصحفيين "بنشر دعاية إرهابية" أو "إهانة الرئيس".
طالت هذه الحملة أكثر من 160 ألف شخص بين معتقل ومطرود ومقال، من رجال شرطة إلى طيارين إلى مدرسين إلى رجال أعمال، وقد طرد المئات من الأكاديميين من وظائفهم.
وأكدت تقارير منظمة "مراسلون بلا حدود" فى تقريرها السنوى، أن تركيا أصبحت سجنًا كبيرًا، وقالت إن عدد الصحفيين المسجونين والمعتقلين فى العالم سجل خلال العام الماضى، ارتفاعًا مرتبطًا بالوضع السياسى فى تركيا، مشيرة إلى أن معتقلات النظام يقبع خلفها الكثير من الصحفيين، وتحتل تركيا المكانة رقم 155 فى قائمة تضم 180 دولة أعدتها المنظمة.
وكشفت المنظمة، فى تقرير سابق لها، عن ارتفاع عدد الصحفيات المسجونات بمقدار أربعة أضعاف، مما يدل على الكارثة التى تشهدها تركيا حيث تسجن ثلث الصحفيات.
وأشار تقرير آخر للجنة حماية الصحفيين، إلى أن هناك ما يتراوح بين 49 و165 صحفيًا محتجزون فى السجون التركية حاليا، ومن بينهم الصحفى الألمانى - التركى دينيز يوجيل المحتجز فى الحبس الاحتياطى بتركيا منذ يوم 27 فبراير الماضى.
وأغلق النظام التركى أيضًا ما يزيد على 170 مؤسسة إعلامية ودار نشر فى ظل حالة الطوارئ المعلنة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة فى يوليو عام 2016.
وبينما يغلق النظام التركى جرائد، فتح منابر إعلامية أخرى تحرض على الإرهاب فى العالم، عبر دعم جماعات إرهابية يمنحها الملاذ الأمن داخل تركيا، وفتح أبوابه للتنظيمات المسلحة، وقدم تسهيلات وإغراءات لأكثر من 300 إعلامى عربى، وجعل من إعلامه أبواق تحرض على العنف والإرهاب فى البلدان العربية لخدمة أجندة النظام المشبوهة.
وحول المعتقليين السياسيين، تشير التقديرات إلى وجود ما يزيد عن 70 ألف معتقل سياسى داخل تركيا، وفصل النظام التركى أكثر من 130 ألف موظف تعسفيا من وظائفهم الحكومية، وصادر أكثر من 3000 جامعة ومدرسة ومؤسسة تعليمية، وخلال الأسبوعين الماضيين فقط تم إصدار أوامر اعتقال بحق أكثر من 1400 مواطن تركى، وإصدار إجراءات عقابية ضد العشرات من الأكاديميين والصحفيين ورموز المجتمع المدنى ومجتمع الأعمال، ومنها الحكم الصادر مؤخرا ضد 16 شخصا بعقوبة السجن المؤبد.
وتم عقاب عدد من المدافعين عن الحريات المدنية بالسجن المؤبد، وعدد من الصحفيين المعارضين نتيجة ممارسة حقوقهم فى حرية التعبير والتجمع السلمى، فضلا عن الحكم بإدانة 27 أكاديميا تركيا بسبب توقيعهم عريضة فى عام 2016 تدعو لإنهاء النزاع المستمر لمدة 30 عاما بين الدولة التركية والأكراد.