"سنقيم منطقة آمنة فى شمال سوريا تتضمن عودة اللاجئين السوريين.. ستساهم في إحلال السلام".. بهذه الكلمات أعطى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الأربعاء، إشارة البدء لقواته بشن عدوان على شمال سوريا في عملية عسكرية أطلق عليها "نبع السلام"، مسماها لا يعفى النظام التركي من جرائمه واستباحة دماء الأبرياء من المدنيين العزًل في الأراضي العربية، وفى القلب منها سوريا والعراق.
حتى الساعة التي تكتب فيها تلك السطور، يكون قد فعل العدوان التركى فى سوريا فعلته من جرائم بحق المدنيين، استهلها بضربات جوية تدعمها نيران المدفعية، وقام الطيران التركي بإستهداف مواقع ميليشيا قسد فى قريتى الأسدية وبير نوح شرقي رأس العين بوحشية بحسب تقرير لوكالة سانا، قبل أن يمتد إلى بلدة عين عيسى بريف الرقة الشمالي، جوية وسط حالة من الذعر الكبير بين المدنيين ودفعت الغارات التركية إلى حركة نزوح كثيفة للسوريين من بلدة رأس العين بالحسة وقتل أكثر من 7 مدنيين، ما استدعى لرد من قبل قوات سوريا الديمقراطية التى استهدفت مدينة نصيبين فى تركيا بعدد من قذائف الهاون.
الانتهاكات التركية للأراضي العربية لم تكن وليدة اللحظة أو اليوم، ويمتلك النظام التركى سجل أسود في الإغارة على الأراضى العربية مستغل بذلك حالة الضعف التى تعيشها البلدان العربية وتقطع أوصالها، ففى يوليو 2015، خرق الجيش التركى هدنة كانت موقعة في عام 2013 بين أنقرة ومقاتلي حزب العمال الكردستانى في العراق، وقام بشن غارات جوية لضرب مخيمات لناشطين من حزب العمال الكردستانى بالشمال العراقى متخذا من الحرب على تنظيم داعش والمنظمات المتطرفة التى تقاتل فى سوريا المدعومة من نظامه ذريعة لشن غارات على الأكراد.
وبالأسلوب نفسه واصل النظام التركى سلوكه الدموى حيث استخدمت الدولة التركية التى تحتضن الجماعات الإرهابية، وترتع على أراضيها المئات من عناصر التنظيمات المسلحة، جيوشها النظامية فى السنوات الماضية خارج الحدود، للقيام بعمليات من شأنها بسط النفوذ التركى، واتخذت طابعا مذهبيا في بعض الأحيان، ففي العراق دارت حرب باردة بينها وبين إيران عندما حاول نشر قواتها في الشمال لمناصرة السنة وعدم تهجيرهم من قبل الحشد الشعبى الموال لإيران، وفى سوريا خرجت جيوش أردوغان على حدود التماس معها، من أجل تحقيق أحلام النظام فى التخلص من بعض الفئات العرقية التي تؤرق صانع القرار التركي، ويرى فيها تهديدا لوحدة أراضيها، تحت ستار محاربة الارهاب، وكانت فى مقدمتها "الأكراد".
درع الفرات.. وحشية الجيش التركى فى سوريا
وفى صيف عام 2016، خرجت الجيوش التركية على الحدود السورية التركية فى مدينة جرابلس شمال سوريا لإطلاق عمليات "درع الفرات" العسكرية، وإيهام العالم، بأن الدولة التركية تطهر تلك المناطق من تنظيم "داعش" الارهابى، الذى أشارت له بأصابع الاتهام فى تفجير عدة مدن فى العام نفسه على الحدود التركية منها مدينة بنى غازى عنتاب وكلس فى جنوب شرق تركيا ذو الأغلبية الكردى، وعليه أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان أن الهدف من العمليات هو وضع حد للهجمات التى تستهدف تركيا من داخل الأراضى السورية، وإزالة المخاطر الناجمة عن تنظيم "داعش" وحزب "الاتحاد الديمقراطى" الكردى فى سوريا.
قتل المدنيين الأكراد فى غصن الزيتون
وجددت تركيا مواجهتها مع أكراد سوريا، خلال عملية عسكرية جديدة برية وجوية فى سوريا شنها الجيش التركي 20 يناير 2018، تحت مسمى " غصن الزيتون " يستهدف فيها مواقع تابعة لوحدات حماية الشعب الكردية رغم دورها الكبير في الحرب ضد داعش في سوريا، وتلقت دعما كبيرا من الولايات المتحدة، لكن النظام التركى يعتبر أن لها صلات قوية بحزب العمال الكردستانى، فى منطقة عفرين التى يسيطر عليها الأكراد وتقع شمال غرب محافظة حلب تحدها تركيا من جهتى الشمال والغرب، وهى على تماس مع منطقة إعزاز الواقعة تحت سيطرة الفصائل المعارضة من جهة الشرق.
وأظهرت الانتهاكات التركية المتكررة لحدود بلدان جوارها العربى مطامع تركية واضحة لايمكن إنكارها ليست فى الأراضى السورية فحسب بل العراقية أيضا، ففى أكتوبر عام 2016، دعا أردوغان بتعديل تلك الاتفاقية لوزان الموقعة عام 1923 والتى تم على إثرها تسوية حدود تركيا الحديثة عقب الحرب العالمية الأولى، فى نفس الوقت الذى قال فيه إن أنقرة ستعلن قريبا عما أسماها "منطقة آمنة" شمال حلب فى سوريا بمساحة 5 آلاف كم، فى تصريح يكشف عن الوجه التركى القبيح لإعادة أملاك الدولة العثمانية، وفرض الوصاية على الأراضى التى فقدتها الدولة العثمانية فى نهاية الحرب العالمية الأولى وتعافى "رجل أوروبا المريض" اللقب الذى اطلق على الدولة العثمانية بعد انهيارها.
لماذا يخشى أردوغان الأكراد؟
يتخوف النظام التركى من الوجود الكردي المتمثل في حزب الاتحاد الديمقراطى الكردى، والعمال الكردستانى أكثر من داعش التي يمنح لعناصرها ملاذ آمن في الداخل، ويفتح لهم أراضيه ويسخر بوابات حدوده لتسهيل عبور مقاتلى ومرتزقة التنظيم الإرهابي للقتال في سوريا، حيث ويمثل الأكراد حوالى 15 أو %20 من سكان تركيا، وعاشوا صراعًا متأصلًا مع الدولة التركية، بعد أن وضع أتاتورك مبادئ عامة جعل فيها القومية التركية القومية السائدة، وعاملت السلطات التركية الأكراد معاملة قاسية، وقاتل الأكراد داخل تركيا لسنوات من أجل الحكم الذاتى، وهو ما آثار مخاوف لدى أردوغان من أن يعلن أكراد سوريا وكردستان العراق قيام كيان أو دولة كردية على الحدود التركية السورية، تهدد وحدة بلاده.
واعتبر النظام التركى أن قيام أى كيانات كردية على حدوده خط أحمر، إذ يعترى أردوغان رعب من تحركات العمال الكردستانى فى العراق والاتحاد الديمقراطى لأكراد سوريا، وهو ما يجعله دائم التذرع بتوجيه ضربات إلى المقاتلين الأكراد، واعتبارها منظمات إرهابية، فتارة يعلن عن قصف داعش، وأخرى تطهير الحدود من التنظيمات الإرهابية، لكن فى كل مرة يعلن فيها أردوغان توجيه ضربات إلى داعش يضف إليها شن عمليات عسكرية ضد "الأكراد".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة