أكرم القصاص - علا الشافعي

د. شوقى عبدالكريم علام

«فتبينوا» نحو تكوين وعى رشيد.. فقه المواطنة

الأحد، 17 نوفمبر 2019 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أصبح «مبدأ المواطنة» أحد أهم المبادئ التى تؤكد عليها أدبيات قيام الدول بشكلها الحديث، ويرتبط المواطنون داخل الوطن الواحد بعقد اجتماعى بين الأفراد وبينهم وبين الدولة، يتضمن الالتزام فى تقرير الحقوق والواجبات.
 
تبنى النظام العالمى التأكيد على مبدأ المواطنة وتداعياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتقرير هذا المبدأ، والعمل على نشره، والدعوة إلى تفعيله عن طريق آلياته، المتمثّلة فى «التساوى»، «والتجانس»، «والانسجام» بين المسارات المختلفة التى يجتمع عليها الناس، لدلالتها على الهُويّة، كالمسار الاجتماعى القائم على تبادل المنافع، والعمل، والعلاقات، وسائر التعاملات، والمسار القانونى القائم على حفظ الحقوق، ومراعاتها، والمسار السياسى القائم على مراعاة مصالح الأفراد، داخل الوحدة الوطنية الواحدة، والمسار الثقافى والتاريخى القائم على مراعاة عادات وتقاليد وثقافة المجتمع بما يضمن له الهُويّة الذاتية.
 
تفاعل المسلمون مع المصطلح الوافد وقَبِلوه ولم يَرَوْا بأسًا فى مضامينه عدا الجماعات الإرهابية التى ترى أن الاعتراف بالمواطنة يقلل من الانتماء للدين، ونحن نقرر أنه وإن لم يُنَصّ على المصطلح بذاته ولم يكن معروفًا من ذى قبل، فهذا ليس مُسوّغًا لرفضه وعدم قبوله، فإنّ أى مصطلحٍ- كما هو مقرر- يُحاكى الفكرة التى تُعبّر عنه سواء كان لها لفظ محدد أو مفهوم عام.
 
ووجدوا ضالتهم فيما قرره الإسلام فى بداية عهده المدنى من أخذه بمبدأ المواطنة، حيث إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وضع وثيقة المدينة بينه وبين يهود المدينة، وقد حوت نحو 47 بندًا دستوريًّا تضمن الحقوق، وتؤكد على الواجبات والالتزامات.
 
وقد مثّلت الآية الكريمة من سورة الممتحنة:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]، الأساس والمنطلق الذى قرره الرسول الكريم لشركائه فى الوطن (المدينة)، حقوق ممارسة الشعائر الدينية، والنصح والنصيحة، والبر دون إثم، والقسط، والعدل، والنصرة والمعاونة على أعداء المدينة، والانتماء للمحيط القطرى الذى يعيشون فيه، وأنه ما دام الآخر لم يُقاتل ولم يعتدِ ولم يسعَ لتخريب الديار «بكافة أنواع التخريب» فحينها يجب على المسلم القسط إليه، والعدل معه فى سائر الأحوال، فكان هذا هو الأساس الدستورى والضمانة المجتمعية، وقد ضمنت تلك الوثيقة حقوق المقيمين فى المدينة من مسلمين «مهاجرين، وأنصار» ومن يهود «بقبائلهم المختلفة المستوطنين المدينة»، بغضّ النظر عن الدين والمُعتقد، بما يُحقق قاعدة: «لهم ما لنا وعليهم ما علينا»، أى تحقيق المساواة التامّة وهو أحد تجليات مبدأ «المواطنة».
 
صحيح فى تراثنا الإسلامى لا نجد كلمة «مواطنة»- وهى المصدر الميمى من الفعل «وَطَنَ»- مُصطلحًا ومنصوصا عليها بلفظها، إلا أنّ مفهومها الذى يعنى «التساوى بين الأفراد فى الحقوق والواجبات» منصوص عليه ومُقرر ومُضمّن كما سبق.
 
ونرى أن فكرة المواطنة نشأت بالأساس كضرورة إزاء التنوع والتعدد البشرى، فالاختلاف بين البشر فى اللغات واللهجات والصفات والألوان سُنّة كونية قررها الشرع الشريف وتعامل معها بعين الحِكمة، فمثلا جاءت آيات فى القرآن تؤكد هذا المعنى: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 119]، {وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الروم: 22]، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13]، فالمعنى المُشترك فى الآيات السابقة هو أن الناس مختلفون ومتنوعون ومتعددون، ولكى تستمر حياة الناس  اصطلحوا على «المواطنة» كأساس وصيغة مجتمعيّة توافقية تسمح لهم بالعيش المشترك دون إجحاف من أحدهما، وتقف حائلا دُونَ ما يمكن أن نُسمّيه «الحقد المُجتمعى» الذى يتجلّى فى الحقد الطائفى، أو الحقد العنصرى، أو الحقد العِرقى، أو الحقد السياسى، وهكذا، كلّ هذه الأشكال التى تُحدث خلخلة فى بنية المجتمع، وتقضى على الوحدة المُجتمعية.
 
وقد جاء القانون المصرى مرسخًا هذا المبدأ فى نظامه الدستورى فى دستور 1923 وما بعده من دساتير أو فى قانونه العادى، فقد جعل المصريين جميعا أمام القانون سواء، بصرف النظر عن أى اختلاف فى اللون أو العقيدة فو النوع قيما بينهم، مما جعل ريادة للقانون المصرى فى هذا الصدد.
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة