سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 26 نوفمبر 1875.. قنصل بريطانيا ينقل أسهم قناة السويس فى سبعة صناديق مغلقة إلى الإسكندرية بعد شرائها من الخديو إسماعيل

الثلاثاء، 26 نوفمبر 2019 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 26 نوفمبر 1875.. قنصل بريطانيا ينقل أسهم قناة السويس فى سبعة صناديق مغلقة إلى الإسكندرية بعد شرائها من الخديو إسماعيل الخديو إسماعيل
سعيد الشحات

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
توجه القنصل البريطانى فى مصر «ستانتون» إلى «نوبار باشا» وزير خارجية الخديو إسماعيل يستجوبه: «هل يبيع الخديو أسهمه فى قناة السويس لفرنسا؟.. أفضى نوبار بالتفاصيل، فطلب القنصل منه، ومن إسماعيل صديق، وزير المالية، وقف المفاوضات، حتى يقف على رأى حكومته، فوعد نوبار بوقفها ثمانى وأربعين ساعة، وفى الساعة الثامنة من مساء 18 نوفمبر 1875 أبرقت وزارة الخارجية البريطانية إلى قنصلها تطالبه إبلاغ الخديوى قبول حكومته شراء الأسهم بشروط معقولة، حسبما يذكر الدكتور مصطفى الحفناوى فى كتابه «قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة»، مؤكدا أن القنصل اتصل بالخديوى ليقدم له عرض حكومته، لكن الخديوى اعتذر قائلا: إنه يريد تحويل الديون السائرة إلى دين ثابت، ولذلك فإنه مضطر لتقديم الأسهم كضمان لهذا التحويل، ولكنه لا يريد أن يبيعها، فإذا كان ولابد من البيع فسيعطى الأفضلية للحكومة الإنجليزية».
 
فى الأيام التالية اشتدت الحالة سوءا، واستحال رهن الأسهم، وعددها 177 ألفا و642 سهما فقبل «إسماعيل» بيعها، وأبرق قنصل إنجلترا إلى حكومته يبلغها بذلك يوم 23 نوفمبر، وبأن السعر مائة مليون فرنك «4 ملايين جنيه»، فجاء الرد فى نفس اليوم ببرقية شفرية بقبول الحكومة الإنجليزية، وأن بنك «روتشلد» بلندن تعهد بأداء الثمن فورا، وتمت الصفقة وتحرر العقد الذى وقعه «إسماعيل صديق باشا» نائبا عن الحكومة المصرية، والجنرال ستانتون القنصل البريطانى نائبا عن حكومة بلاده يوم 25 نوفمبر 1875 لتبدأ «الكارثة الكبرى التى انتهت باحتلال الإنجليز لمصر بعد ذلك بأقل من سبع سنوات»، وفقا للحفناوى.
 
كان البيع نهاية عملية لأن تكون لمصر كلمة فى إدارة القناة، أما قصة البيع على الصعيد المالى فكانت قمة الإثارة.. يذكر الحفناوى، أنه قبل إبرام العقد تبين أن الأسهم لم تكن 177 ألفا و642 سهما، وإنما 176 ألفا و602 سهما، وتم تسوية حساب الثمن بعد استبعاد قيمة 1040 سهما ناقصة، فصار صافى الثمن 3 ملايين و976 و582 جنيها إنجليزيا، وتم الاتفاق على أن يدفع 25 مليون فرنكا فى أول ديسمبر، ويسدد الباقى فى ديسمبر ويناير، ولما كانت الحكومة المصرية تنازلت فى اتفاقية 1869 عن فوائد أسهمها لمدة خمس وعشرين سنة تنتهى فى 1894، قبلت أن تدفع للحكومة البريطانية عن كل سنة ابتداء من 1875 إلى 1894 فوائد بنسبة 5 % من قيمة الثمن مقابل حرمان الحكومة الإنجليزية من أرباح الأسهم طوال هذه المدة، ومعنى ذلك أن الحكومة البريطانية تسترد المبلغ الذى دفعته فى الشراء سنة 1894.
 
حققت صفقة البيع حلم رئيس الحكومة البريطانية «دزرائيلى» الملقب بـ«الثلعلب البريطانى».. يقول الحفناوى عنه: «كان هذا اليهودى فى مستهل حياته معنيا ببلاد الشرق، حتى يقال أنه زار محمد على الكبير فى قصره بشبرا، وعرض خدماته على الباب العالى، وطلب أن يوظف فى إحدى بلاد الإمبراطورية العثمانية، ولما عين رئيسا لحكومة إنجلترا أغرم بقناة السويس، وأراد أن يجعل منها مفتاح إمبراطورية لا تغرب عنها الشمس، ولذلك قرر أن يشترى القناة بأسرها».
 
جاءت الفرصة إلى «دزرائيلى» بخطر دخول مصر شفا الإفلاس، وفقا للحفناوى، مضيفا، أن الخديو إسماعيل عجز عن تسديد القروض المتلاحقة، وفوائدها الربوية الفاحشة، حيث اغتنم المرابون الفرصة، وكتب المرابى المقيم فى فرنسا «ادوارد دار فييه» من شقيقه «أندريا» المقيم فى الإسكندرية أن يفاتح الخديوى فى أمر بيع أسهم مصر فى القناة، وانتقل «أندريا» إلى القاهرة وفاوض «إسماعيل صديق» الذى رحب بالعرض، وبلغت قيمته 92 مليون فرنك، وجرت المفاوضات فى سرية لكن الثعلب البريطانى علم بها، فأرسل إلى قنصله فى القاهرة، ودارت العجلة.. يؤكد الحفناوى، أن الحكومة البريطانية اشترطت ألا تدفع ثمن الأسهم، إلا بعد استلامها، بينما كان «الخديو» يريد الأموال حتى يتم سداد قرض الديون المستحقة عليه فى ديسمبر 1875».
 
كتبت الحكومة البريطانية شرطها فى عقد البيع، وتضمن أيضا ثمن الأسهم، ودفع 25 مليون فرنك فى أول ديسمبر، ويسدد الباقى خلال نفس الشهر،ثم يناير الذى يليه «1876»، وأسرع الخديو بتنفيذ العقد، وفقا للحفناوى، مؤكدا، أن وزير المالية إسماعيل صديق نقل الأسهم بنفسه إلى القنصلية البريطانية فى القاهرة يوم 26 نوفمبر، مثل هذا اليوم 1875، بعد أن أودعها فى سبعة صناديق كبيرة، وأحكمت القنصلية غلقها وتغطيتها بطبقة من الحديد، وبصمت الأسهم كلها بأختام إسماعيل صديق والقنصلية البريطانية ومحكمة القنصلية البريطانية، وأمرت البحرية البريطانية الباخرة «مالابار» التى تصادف قدومها من الهند أن تعرج على الإسكندرية فى منتصف ديسمبر، وحمل الجنرال «ستانتون» القنصل البريطانى فى مصر الصناديق، وسافر بها إلى الإسكندرية بشخصه وأودعها فى تلك المدرعة التى وصلت إلى «بورتسموت» فى 31 ديسمبر، وفى اليوم التالى «1 يناير 1876»، تسلم موظف كبير من الخزانة البريطانية، الصناديق من قومندان الباخرة، وأودعت فى اليوم نفسه فى بنك إنجلترا.. وفى اليوم الذى كان «القنصل البريطانى» يعد عدته للسفر إلى الإسكندرية حاملا الصناديق السبعة، ذهب إلى الخديوى إسماعيل، وفى لقائهما قال له «الخديوى»: «هذه أهم صفقة عقدتموها وستعود عليكم بفوائد مالية وسياسية محققة، ولكنها أسوأ حادث بالنسبة لنا».
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة