يبدو أن انعقاد قمة حلف شمال الأطلسى "الناتو"، والمقررة فى شهر ديسمبر المقبل، فى لندن، بمثابة فرصة مهمة لبريطانيا، لتقديم نفسها كحليف لشركائها، فى ظل تحديات تبدو صعبة للغاية، وعلى رأسها أزمة الخروج من الاتحاد الأوروبى "بريكست"، والذى لم تقتصر تداعياته على حالة عدم الوفاق بين الحكومة البريطانية ومحيطها الجغرافى، ولكنها تمتد إلى الداخل، وهو ما يبدو واضحا فى حالة الانقسام التى ضربت المجتمع البريطانى فى الداخل.
ولعل رهان بريطانيا على الناتو لاستعادة العلاقة الوثيقة مع محيطها الأوروبى ليس بالأمر الجديد تماما، حيث سبق وأن سعت لندن إلى تقديم نفسها كقائد للتحالف عبر حشد أعضائه ضد روسيا فى عهد رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماى، والتى سعت إلى استغلال قضية تسميم العميل الروسى المزدوج سيرجى سكريبال لحشد شركائها ضد موسكو، وهو الأمر الذى لم يحقق نجاحا كبيرا، حيث كانت الاستجابة ضعيفة للغاية من قبل الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى، والذين حرصوا حينها على تهنئة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بفوزه فى الانتخابات الرئاسية العام الماضى، من بينهم رئيس المجلس الأوروبى دونالد توسك، بينما تحرك العديد منهم نحو توطيد أواصر التعاون مع موسكو خاصة فى مجال الطاقة، وعلى رأسهم ألمانيا، والتى تمثل مستشارتها أنجيلا ميركل أحد أكثر المدافعين عن الوحدة الأوروبية.
وهنا تمثل استضافة بريطانيا لقمة الناتو، فى ظل وجود الحلفاء من أوروبا الغربية، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، فرصة للحكومة البريطانية، على الأقل لتهدئة التوتر، عبر إيجاد بديل للشراكة فى الاتحاد الأوروبى، من خلال استعادة قوة "الناتو" والذى يعانى من حالة من الانقسام، بسبب مواقف واشنطن الأحادية، والشرود التركى بعيدا عن سرب المعسكر الغربى، عبر الارتماء فى أحضان روسيا، والتى تمثل الخصم الذى من أجله تأسس الحلف قبل 70 عاما.
معضلة الناتو ظهرت بجلاء فى التصريحات التى أدلى بها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون قبل أسابيع، عندما وصف الناتو بـ"الميت إكلنيكيا"، ملقيا باللوم على واشنطن وأنقرة، لتكون تصريحاته سببا فى انقسام جديد بين أعضاء الناتو الأوروبيين، وهو ما بدا واضحا فى الاستياء الذى أبدته دولا أوروبية، وعلى رأسها ألمانيا، والتى شددت عبر وزير خارجيتها هايكو ماس، ومستشارتها ميركل محورية الدور الذى يلعبه التحالف فى تقديم الحماية الأمنية لدول القارة العجوز.
وهنا يكمن التحدى الأبرز لبريطانيا، قبل أيام من انطلاق القمة على أراضيها، وهو إمكانيتها على تحقيق التقارب بين أعضاء التحالف، أو بالأحرى بين الولايات المتحدة وحلفائها فى أوروبا الغربية فى المرحلة المقبلة، خاصة وأن رئيس الوزراء البريطانى يحظى بدعم كبير من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فى ظل التقارب الشديد بينهما فى العديد من المواقف، وعلى رأسها مناوأة الاتحاد الأوروبى، وتوجهه لخروج يمكننا تسميته بـ"الصلب" من الكيان المشترك، على عكس ماى والتى اتجهت نحو اتخاذ نهجا ناعما فى هذا الصدد.
إلا أن العلاقة التى تبدو متوترة بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبى تبقى تحديا مهمة فى تحقيق مهمة الوساطة، فى ظل حالة انعدام الثقة فى جونسون، بالإضافة إلى اقتراب الانتخابات البريطانية المبكرة، والتى تمثل أولوية كبيرة للحكومة من أجل إحكام قبضتها على السلطة، من أجل تحقيق ما فشلت فيه ماى خاصة فيما يتعلق بـ"بريكست".