دائما ما يثور السؤال عند كل تغيير: هل التغيير فى الوجوه أم فى السياسات؟ التجارب التى عشناها طوال عقود كانت ترتبط بالوجوه وتظل السياسات قائمة، وفيما يتعلق بالمحافظين والمحليات هناك ضرورة لتغيير شامل فى طريقة الإدارة، وتغيير فى السياسات، وهو ما يتطلب بالطبيعة تغيير الوجوه، وإحلال وجوه ذات أفكار وأساليب مختلفة.
وتعتبر حركة المحافظين الأخيرة هى الأكبر لأنها شملت 16 محافظا جديدا، يمثلون أكثر من نصف محافظات مصر، بالإضافة إلى 23 نائبا للمحافظين فى تجربة جديدة سبق تطبيقها مع المحافظين والوزراء، ويفترض أنها أول طريقة عملية لإنتاج صفوف ثانية وثالثة، من شباب متعلمين جيدا، وتم تدريبهم على الإدارة والعمل العام بشكل حديث، وبعض النواب الذين تم تعيينهم سابقا أصبحوا محافظين، مع الأخذ فى الاعتبار أن نواب المحافظين منهم أكاديميون معيدون أو مدرسون بالجامعات، أو مهندسون ومحامون وأطباء وأيضا مدرس تاريخ نائبا لمحافظ أسوان، وهم من خريجى البرنامج الرئاسى للتدريب، أو من شباب السياسة، وهى تجربة سوف تظهر نتائجها فى المستقبل ويمكن الحكم عليها، وبالمناسبة فإن نواب المحافظين والوزراء فى حال استمروا وصعدوا فى مواقعهم فهم من خارج الفئات التى كانت مصدرا لمناصب المحافظين.
وإذا كانت هناك نصائح لهؤلاء الشباب، فهى أنهم من أجل أن ينجحوا عليهم أن يواصلوا التعلم من الناس، وأن يمزجوا بين ما تعلموه من البرنامج الرئاسى، وبين خبرات المحليات، وهى منطقة معقدة وتعانى من تراكمات عقود من الإهمال والترهل، وقد سبق وقلت إن حل نصف مشكلات مصر فى المحليات، وربما أكثر من النصف بكثير، ولا يعقل أن تبنى الدولة كل هذه المدن والمشروعات فى كل مكان بمصر جنوبا وشمالا، بينما يظل الأداء الإدارى الحكومى عموما، والمحلى على وجه الخصوص، متأخرا، ويحمل الحكومة والبرلمان الكثير من الأعباء، لأنه يرحل هموم الناس فى المحافظات والمدن والقرى إلى العاصمة، ويحول عضو مجلس النواب إلى مجرد حامل أوراق وطلبات يسعى وراء الوزراء لحل مشكلات هى من صميم عمل المحليات.
وطبعا نحن فى انتظار الانتهاء من قانون الحكم المحلى الجديد، وإجراء انتخابات المجالس الشعبية المحلية، حتى يمكن أن تكتمل الصورة، لكن يظل الأمر مرتبطا بشكل كبير بأداء المحافظ ورئيس الحى والمدينة والقرية، يتفاوت الأداء بين رئيس حى يعمل، وآخر لا يعمل ويترك الفوضى من حوله، لكن بشكل عام يمكن القول عن أغلب المحافظات وعلى رأسها القاهرة تعانى من مشكلة مزمنة فى النظافة والتنظيم والاشغالات واحتلال الأرصفة.
وعلى سبيل المثال فإن القاهرة فى أغلب أحيائها تعانى من أزمات النظافة والاشغالات واحتلال الأرصفة والشوارع وفوضى التوك توك خاصة فى الأحياء والشوارع الجانبية، وتعانى أحياء مثل دار السلام والمعادى وحدائق المعادى والمطرية وعين شمس وباقى الأحياء من غياب تام لرؤساء الأحياء، ناهيك عن الفساد والمخالفات الظاهرة، وقد تم تعيين نائبين جديدين لحافظ القاهرة ورحل نائبان فقد تولت مسؤولة مشروعات البنية التحتية بمجلس الوزراء موقع نائب المحافظ ومعها أستاذ هندسة، فيما أبقت الحركة الجديدة على كل من نائب المنطقة الغربية ونائب المنطقة الشرقية، فهل يمكن لنائبين جديدين أن يواجها مع المحافظ أزمات النظافة والخدمات والإشغالات؟ هذا ما يمكن أن تكشف عنه الممارسة.
المحليات فيها ملفات مزدحمة، وفى حالة نجاح تجربة الصفوف الثانية والثالثة نكون قطعنا مسافة نحو تقدم فى علاج مرض مزمن اسمه المحليات.