لا يعرف الخواطر ولا يتوقف عند أحد، يخطف الكبير والصغير دون تفرقة، يأتى بمقدمات أو بدون، يسكت معه الكلام إلى صمت أبدى، لا ينفع فيه الندم أو العودة، سيفه ينفذ ويصيب ولا يخطئ الهدف، يقودك إلى عالم البرزخ وينتهى معه متاع الدنيا وشقاؤها إلى مجهول كل ما فيه اجتهادات وتأويلات ونصوص، له رهبة تسقط على رؤوس الأقارب والمحبين كالصواعق، وكأنها إشارات ودلالات أنه كما أن المال والبنون زينة الحياة الدنيا، إلا أن الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا.
علاقتنا بالموت غريبة ومرتبكة، تخرج عن كل الصياغات العقلية والقلبية، فبعضنا يظن أنه سيلتقي الأب والأم والزوجة والأصدقاء، وبعضنا يرى أنه سيكون نارا لمن أخطأ وجنة لمن أصاب، والبعض الآخر يرى أنه لن يشعر بشيء وسينقطع عن هذا العالم الفانى إلى الأبد حتى يقض الله أمر كان مفعولا، إلا أن كل هذه التأويلات تسيطر عليها الدنيوية والتفكير فى العالم المادى، ومجرد اجتهادات وكتابات لم تقدم دليلا عما يدور بعد الموت وحياة البرزخ.
الموت جاء ذكره فى القرآن الكريم 145 وفقا لما ذكره لنا الدكتور أحمد المالكى، الباحث الشرعى فى مشيخة الأزهر الشريف، وهو حقيقة تتفق عليها الأديان السماوية والرسالات وكذلك قوانين الطبيعة والعلم، ورغم ذلك يحضرنا للحظات ربما دقائق، لا نفكر فيه كثيرا، ولا نحبذ ذكره، تزيد هذه اللحظات عندما نفقد الأب أو الأم أو الابن أو الأخ أو الزوجة، وبعدها رويدا رويدا نفقد الإحساس بهذه الكلمة، ونستشعر أنها مجرد أمر روتينى وأخبار نطالعها فى الصحف ووسائل الإعلام، وننتبه فقط لموت الفجأة، كما حدث اليوم مع الفنان الشاب هيثم احمد زكي، الذى وافته المنية عن عمر ناهر 35 عاما.
هيبة الموت وعظمته تضع علينا مسئولية كبيرة، وتنذرنا بفناء كل نعيم، وضياع كل قوة وعظمة وعزوة، وتحيلنا إلى حقيقة واحدة، أن كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، فعلينا أن نصفى نفوسنا وضمائرنا ونستعد لهذه اللحظة التى بلغ عنها القرآن الكريم حين قال فى سورة الواقعة: " فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة