فى مدينة الشروق الجديدة وبالتحديد فى الحى التاسع، تسكن هبة عاطف منزلا له مذاق خاص، فمنذ اجتيازك قوس الورد الذى يزين بيتها، يمكنك أن تشتم رائحة الأمل والتميز والسعادة، فلا عجب فى ذلك وأنت تطأ أقدامك منزل إحدى مؤسسات برنامج "صناع السعادة"، وهو أحد برامج مشروع تنمية وطن، وتعد هبة نموذجًا من ذوى الاحتياجات الخاصة التى تعكس كيفية دعم الدولة لأصحاب الهمم.
فور دخولك ستصطحبك هبة بضحكتها الطفولية وحميمية اللقاء التى تذوب كل المسافات وتبقى مسافة الحب والاحترام، وهذه الطاقة الإيجابية التى تمنحها لك هبة فور حديثك معها وهى تروى تفاصيل تجربتها فى رحلة الإنسانية التى بدأت من مصر حتى السودان ذهابا وإيابا، والرحلة التى كانت الأكثر اختلافًا، حيث كانت مضيفة طيران رسمية ضمن الفريق العامل على متن الطائرة التى غادرت مصر متجهة إلى العاصمة السودانية الخرطوم.
تروى لك هبة بابتسامتها التى لا تفارق وجهها كيف سعدت بالرحلة التى رافقها فيها العشرات من علماء التربية الخاصة بمصر، وعلى رأسهم الدكتور رضا عبد العزيز، المنسق العام للجنة الدولية لشئون الإعاقة التابعة للأمم المتحدة بمصر، للمشاركة فى مؤتمر وملتقيات خاصة بدعم ذوى الاحتياجات الخاصة، حيث وقع الاختيار على هبة عاطف طالبة الفرقة الثالثة بكلية الإعلام الجامعة العربية المفتوحة في مصر AOU كقدوة ونموذج مشرف لفتيات متلازمة داون لخوض تجربة "أول مضيفة طيران من أصحاب متلازمة داون فى مصر"، حيث قامت شركة بدر السودانية للطيران بأخذ مقاسات هبة وتفصيل بذلة الطيران خصيصًا لها.
وهنا تقطع حكاية هبة ضحكة تخبرك عن فخرها واعتزازها بالتجربة قائلة: "الحمد لله ما وقعتش حاجة على حد، وأهديت فتاة صغيرة عروسة من صنع يدى ورحبت بالركاب وأجريت أحاديث متنوعة مع الجميع".
والدتها الدكتورة سونيا بيومى تروى كيف اجتازت هبة رحلتها الإنسانية منذ أن كان عمرها أيام، وكيف حولت حياة أسرتها لابتسامة متواصلة رغم كل ما عانته من ألم نتيجة لإصابتها بمرض اللوكيميا الذى قدر الله لها الشفاء منه وكيف تميزت فى دراستها دون دمج، وكانت من المتفوقات حتى وصلت للفرقة الثالثة بكلية الإعلام الجامعة العربية المفتوحة في مصر، وتقدم فقرة ثابتة فى أحد البرامج بإذاعة صوت العرب منذ التحاقها بكلية الإعلام.
وتوضح والدة هبة كيف كانت تصر على خوض التجارب الأصعب متحدية نفسها وكان النجاح حليفها:" هبة هى الأخت الأصغر لثلاث فتيات تزوجت اثنتان وبقيت هبة وشقيقتها الأكبر ترافقان والدهما، الذى قرر أن يتفرغ لهما ويعيش معهما فى منزلهم بمدينة الشروق وأنهى أعماله فى شركة تكنولوجيا الاتصالات لتصميم وتنفيذ كاميرات التأمين، وخاصة بعد إصرار هبة على الدخول كلية الإعلام اقتداء بشقيقتها الأكبر خريجة الإعلام التى تعمل فى أحد البنوك، لكن هبة تحلم بأن تكون مذيعة لها برنامج خاص بها".
هبة تمتلك مفردات تميزها وتنم عن ثقافة وقدرة غير معهودة على التميز، بالإضافة إلى كونها تتمتع بخفة الظل والنكات فهى متحدثة لبقة ومتفوقة دراسيا، يومها مقسم بشكل منتظم لأن الأيام تحمل لها دوما الكثير من المفاجآت، ليس الإنجاز الأول لهبة كونها مضيفة الطيران، لكن هى بطلة تجيد التمثيل المسرحى بمسرح الشمس التابع لوزارة الثقافة، ومذيعة وتمارس الرسم والموسيقى والإلقاء، كنموذج للتحدى من أصحاب متلازمة داون.
فى المنزل هبة متخصصة فى صنع الكابتشينو والشاى والعصائر، تساعد أحيانا فى ترتيب منزلها، وتعكف على إتمام دروسها، وإعداد فقرتها فى صوت العرب، الشىء الذى يبهرك خلال حديثك مع هبة هو هذه الطاقة الإيجابية التى تمنحك إياها بعباراتها التلقائية، وذاكرتها الحديدية التى تصر على ذكر كل الأسماء التى قابلتها وتعاملت معها قائلة "أنا مش ممكن أنسى حد خالص".