حالة من الصراع تشكلت فى الأعوام الماضية بين جيل من الشباب، آثر أن يرفع شعار العصيان والتمرد من أجل حياة أفضل، من جانب، وجيل أخر من كبار السن، ربما أضفت "شيبته" قدرا من الحكمة على قراراته وتوجهاته، من جانب أخر، وهو ما تجلى فى أبهى صوره فى منطقتنا إبان "الربيع العربى"، بينما تمدد مؤخرا فى مناطق أخرى، من بينها دول العالم المتقدم، على غرار الولايات المتحدة، والتى قاد فيها قطاعا كبيرا من الشباب مظاهرات ضد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فى أعقاب فوزه بالانتخابات الرئاسية الأخيرة فى عام 2016، لتمتد بعد ذلك إلى أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا.
حالة التمرد لدى الأجيال الشابة ربما وجدت دعما كبيرا لدى بعض القوى السياسية والمنابر الإعلامية، فتحول رموزهم إلى "أيقونات"، الثورة الكامنة داخل الشعوب، وهو ما بدا مؤخرا فى اختيار الناشطة البيئية جريتا تونبيرج كشخصية العام بمجلة "تايم" الأمريكية، باعتبارها شخصية ألهمت العالم، رغم صغر سنها، والذى لم يتجاوز الـ16 عام، بأهمية الحفاظ على البيئة وحمايتها، وهو ما يعد هدفا نبيلا، لا غبار عليه، ولكن تبقى وسيلة التحقيق مثار تساؤلات خاصة إذا ما وضعنا فى الاعتبار العديد من المعطيات على رأسها، امتناعها عن الدراسة، تحت شعار "سأمتنع عن الذهاب إلى المدرسة.. لأنكم تخليتم عن مستقبلى"، وهو ما يمثل دعوة ضمنية لأقرانها بانتهاج السلوك نفسه، فيما يمثل حالة من الفوضى والتمرد لدى المراهقين، تجاه قضايا ربما ليسوا على دراية كبيرة بتفاصيلها.
وهنا تلوح فى الأفق الحاجة إلى تحقيق الاندماج بين الأجيال الشابة، بما تحمله من طاقات، من جانب، وكبار القادة، بما يحملونه من حكمة السنوات، من جانب أخر، سواء لتوسيع مداركهم، عبر إطلاعهم على التحديات الكبيرة التى تواجهها المجتمعات وكذلك إشراكهم والاستفادة من طاقتهم لإيجاد الحلول الفعالة، وبالتالى تتسلح الدول بالجمع بين طاقة الشباب وحكمة القادة، فى مواجهة كافة الأزمات التى تواجه العالم.
ولعل منتدى شباب العالم، والذى تشهد مدينة شرم الشيخ فعالياته فى المرحلة الراهنة، يمثل دليلا دامغا على إدراك القيادة المصرية لطبيعة الصراع بين الأجيال، وبالتالى كانت الدعوة التى تبناها الرئيس عبد الفتاح السيسى للشباب من كافة دول العالم للتواجد على أرض مصر، لمناقشة الأزمات العالمية، بحضور العديد من المسئولين الدوليين، وممثلى المنظمات الدولية، ليتحول الصراع إلى تواصل عبر الاستماع إلى الرؤى الشبابية حول القضايا الدولية الملحة، بالإضافة إلى كونة فرصة مهمة لتبادل الخبرات بين الشباب من مختلف مناطق العالم.
المنتدى، والذى أصبح حدثا سنويا، يبدو نموذجا ملهما للعالم، يعد بمثابة رسالة مصر للعالم، ونموذجا ملهما ينبغى تعميمه، لمناقشة كافة القضايا الملحة، وكذلك لتفريغ طاقة الشباب، عبر تقديم رؤيتهم، فى المنابر العالمية، وبحضور المسئولين الدوليين، وبالتالى استخدامها لتحقيق المصالح الجماعية، بدلا من تحويلها إلى أداة للصراع، عبر تبنى دعوات التمرد من خلال وسائل التواصل الاجتماعى، التى طالما ساهمت فى تأجيج الفوضى والصراعات، والتى وصلت إلى حد الحروب فى العديد من دول العالم.