دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى تطوير آليات العمل فى الأمم المتحدة، خلال منتدى شباب العالم، تعكس إدراك مصر لحجم التحديات الكبيرة التى تواجه المجتمع الدولى، فى الوقت الذى فقدت المنظمة الدولية الرئيسية فى العالم، للكثير من نفوذها، فى التعامل مع العديد من القضايا، بسبب عدم مجاراتها للتطورات التى يشهدها العالم فى المرحلة الراهنة، وهو ما يمثل انعكاسا صريحا لتغير طبيعة الصراعات الدولية فى الوقت الحالى، إذا ما قورنت بالحال فى الوقت الذى تأسست فيه، فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبداية الحرب الباردة.
حالة الضعف التى انتابت الأمم المتحدة ربما ليست بالأمر الجديد على الإطلاق، حيث ظهرت بوادرها، مع بداية الألفية، عندما تجاوزت الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، المنظمة الأممية، فى عام 2003، فيما يتعلق بقرار الحرب على العراق، دون موافقتها، إلا أن الدعم الأمريكى والغربى لها، فى ذلك الوقت ساهم بصورة كبيرة فى تغطية أوجه القصور، حيث حرصت الولايات المتحدة، باعتبارها القوى الرئيسية المهيمنة على العالم، على الحفاظ على بقائها باعتبارها تمثل غطاء شرعيا ضروريا للسياسات التى تتبناها واشنطن فى مختلف مناطق العالم، على حساب الدول الأخرى.
إلا أن وضع المنظمة الدولية يبدو أكثر تدهورا فى السنوات الأخيرة، وخاصة منذ صعود الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى البيت الأبيض فى يناير 2017، حيث أبدى الرجل امتعاضا كبيرا من أداء الأمم المتحدة، حتى أنه هدد بالانسحاب منها، وهو ما يرجع فى جزء منه إلى مناوئته للمؤسسات، بالإضافة إلى رغبته فى العمل المنفرد، لفرض رؤيته على العالم، فى إطار استعادة ما يمكننا تسميته "المجد الأمريكى" المفقود، بعدما صعدت قوى أخرى إلى الصدارة، سواء كانوا خصوما على غرار الصين وروسيا، أو حلفاء، على غرار الاتحاد الأوروبى، والذى تضعه الإدارة الأمريكية الحالية فى خانة الخصم.
وتمثل العديد من القرارات التى اتخذتها إدارة ترامب، منذ صعوده إلى البيت الأبيض، دليلا دامغا على تجاوز الشرعية الدولية، وعلى رأسها قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو القرار الذى رفضتها الأغلبية الساحقة من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، فى انعكاس صريح للرفض الدولى للخطوة الأمريكية، إلا أن ذلك لم يثني واشنطن عن تلك الخطوة
حديث الرئيس السيسى تمثل محاولة صريحة للحفاظ على ما تبقى من تأثير المنظمة الدولية، باعتبارها الضامن الرئيسى للشرعية الدولية، فى المرحلة الراهنة، فى ظل سياسات أحادية باتت تلجأ لها كافة القوى الدولية المؤثرة، بما يهدد السلم والأمن الدوليين، خاصة مع ما يمكننا تسميته حالة الفوضى الدولية، والتى تضع العديد من مناطق العالم على شفا حروب غير مسبوقة قد تنال من أمنها واقتصادها.
ولعل الانتشار غير المسبوق للتهديدات النووية، سواء بين واشنطن وموسكو، على إثر تقويض اتفاقية القوى النووية المتوسطة والقصيرة المدى، أو حتى عودة لغة التصعيد مؤخرا فى كوريا الشمالية، بالإضافة إلى التدهور الكبير فى القضية الإيرانية، تمثل دعائم قوية للدعوة التى تتبناها مصر، فى ظل مخاوف كبيرة ربما تدركها القيادة المصرية جراء التداعيات التى قد تترتب على أى حروب جديدة، ليس فقط فى منطقتنا، ولكن فى العالم بأسره.
دعوة الرئيس السيسى جاءت فى منتدى شباب العالم، والذى يحظى بحالة من الزخم، وذلك لتكون على مرأى ومسمع الجميع، فى انعكاس صريح لاحترام مصر للشرعية الدولية ومؤسساتها، ورفضها الكامل لأية محاولات من شأنها تقويضها، عبر قرارات أحادية، تنتهك الإرادة الجماعية لمجتمع الدول