لغة الضاد - "اللغة العربية" - تعتبر من اللغات التي كان لها شأن كبير بين لغات العالم في مسيرة الحضارات، بما لها فى الحقيقة من خصائصِ العراقة في تكوينها، وغزارة مفرداتها، وسلامة أصولها، وهي بمثابة خصائص جعلها تتشرف بنزول القرآن الكريم كونها معجزة خالدة من الهداية والبلاغة، وقيم الحق والخير، حتى أن تواصـل تطورهـا يفصـح عن نهضـة الأمة، ويبشر بأن تكون اللغة العربيـةُ أساس وحدة الأمة في الفكر والتشريع ومصدر الهداية لوحدتها الكبرى.
وفى الحقيقة تزداد أهمية اللغة العربية بشكل كبير في التعويل عليها في التربية والتعليم، أو في الإعلام، أو التشريع والقضاء، أو الفقه باعتبار اللغة الجسرُ الذي تعبر المجتمعات بواسطته إلى حضارة الأمم، وتراثها المعرفي، والتشريعي، والثقافي، وهي وعاء الأفكار، وأداة التعبير عنها، ذلك أن المفاهيم التشريعية والآراء القانونية إنما يتم التعبيرُ عنها من خلال اللغة سواء كانت ألفاظاً ومعاني أم جملاً ومباني.
اللغة وسيلة التعبير بين المشرع والمتقاضين
اللغة في حقيقة الأمر وسيلة التعبير الأساسية عن آراء المشرع والقاضي على حد سواء، وهذه الآراء تظهرُ من خلال مفردات اللغة وصياغاتها وتعابيرها، إذ إن أول ما يجب أن يتبادر للذهن عند محاولة فهم النص وتفسيرِه هو فهم المعنى الصحيح اللغوي ثم الاصطلاحي لألفاظ النص وعباراته، أي المعنى الذي تؤديه مباشرة ألفاظ اللغة وتعابيرُها سواء كانت هذه المعاني حقيقية أم مجازية، يقول الدكتور عبدالرزاق السنهوري: "يجب أن تكون لغة التقنين واضحة ودقيقة، فاللغة المعقدة تجعل القانون مغلقاً، كما أن اللغة غير الدقيقة تجعل القانون مبهماً".
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على دور التشريعات العربية فى حماية اللغة العربية – لغة الضاد – والحفاظ عليها وكيف ألزمت تلك القوانين والتشريعات كل مواطن عربي في كل مجتمع ينتمى له في الاحتكام واللجوء للغة العربية عند عملية التقاضي، وذلك من خلال كتابة العرائض وتقديم المستندات والمرافعات؟ وكيف كانت اللغة العربية هى حائط الصد المنيع أمام دول الاحتلال – بحسب الخبير القانوني والمحامي محمد ميزار.
اللغة العربية في التشريع المصري والسوداني
فى البداية – يجب أن نعلم جيداَ أن معظم الدول العربية لديها قوانينها الخاصة المتعلقة بسلامة اللغة العربية ففي مصر ينص قانون تنظيم الجامعات الصادر عام 2006م في المادة 168 على أن: "اللُّغة العربيَّة هي لغة التَّعليم في الجامعات الخاضعة لهذا القانون"، وفي دولة السودان تنص المادة 21 من قانون تخطيط التعليم العام وتنظيمه لعام 2001م على أن: "يتم تدريس المناهج الَّتي توضع وفقاً لأحكام قانون المركز القومي للمناهج والبحث التربوي لعام 1996م، في المدارس الحكوميَّة وغير الحكومية التي تضم طلاَّباً سودانيين، وتكون اللُّغة العربية هي اللُّغة المعتمدة لتدريس المناهج" – وفقا لـ"ميزار".
اللغة العربية في التشريع السعودى والعمانى
وفي السعودية وضعت وزارة الشؤون البلدية والقروية قواعد لتنظيم لوحات الدعاية والإعلان، وتضمَنت في المادة 15 نصًّا على أنه: "يجب أن يكون الإعلان منسجمًا مع عادات وتقاليد البلاد، وأن تتلاءم مادة الإعلان مع الذوق السليم، مع مراعاة أن تكون الصور والكتابات في إطار الآداب الإسلامية، وأن تُراعَى قواعد اللغة العربية الفصحى في نصّ الإعلان"، أما في عُمان فقد نصّت المادة 4 من قانون جامعة السلطان قابوس الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 14/99 على أن: "اللغة العربية هي لغة التَّدريس في الجامعة، ويجوز بقرار من رئيس الجامعة ـ بعد أخذ رأي مجلس الجامعة ـ استعمال لغةٍ أخرى لتدريس بعض المقررات".
اللغة العربية فى التشريع الإماراتى
تنص المادة "70" من قانون الإجراءات الجزائية الإماراتية الصادر بالقانون الاتحادي رقم "35" لسنة 1992 على أن: "يجرى التحقيق باللغة العربية، وإذا كان المتهم أو الخصوم أو الشاهد أو غيرهم ممن ترى النيابة العامة سماع أقوالهم يجهل اللغة العربية فعلى عضو النيابة العامة أن يستعين بمترجم بعد أن يحلف يميناَ بأن يؤدى مهمته بالأمانة والصدق.
اللغة العربية في التشريع العراقي والجزائري
كما أصدر العراق عام 1977م - قانون الحفاظ على سلامة اللغة العربية - وأصدرت الجزائر عام 1991 م "قانون تعميم استعمال اللغة العربية" بعد أن عمل الاستعمار الفرنسي طيلة 132 سنة على طمس الهوية الوطنية للشعب الجزائري، ولئن كان الاستعمار الفرنسي قد خرج من الجزائر وغادر بجيوشه ورجاله وإدارته فإن ثقافته وأتباعه وتأثيراته بقيت عميقة، إلا أن اللغة العربية استطاعت أن تواجه هذه الجيوش للبقاء على هوية الأمة الجزائرية.
اللغة العربية في التشريع اليمنى
أما في دولة اليمن فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 5 من القانون رقم: 18 لعام 1995م بشأن الجامعات اليمينة على: "العناية باللغة العربية، وتدريسها وتطويرها، وتعميم استعمالها كلغة علمية وتعليمية في مختلف مجالات المعرفة والعلوم، وذلك باعتبارها الوعاءَ الحضاري للمعاني والقِيَم والأخلاق لحضارة الإسلام ورسالته"، كما نصت المادة 56 من ذلك القانون على أن: "اللغة العربية هي لغة التعليم، إلا إذا استدعت طبيعة بعض المقررات تدريسَها بلغة أخرى، وفي حال ما يقرر مجلس الجامعة في أحوال خاصّة مؤقتة استعمالَ لغة أخرى، بناء على اقتراح مجلس الكلية" – الكلام لـ"ميزار".
اللغة العربية فى التشريع السورى
أما في دولة سوريا فإن القوانين قد امتدَّت خارج الجامعات، وأصبحت أقرب إلى التطبيق على أرض الواقع، ولديهم في ذلك الصدد القرار رقم "604" الذي صدر عام 2009م، وتنصُّ المادَّة الأولى فيه على أن: "تُغلق المحال المسماة بأسماء غير عربية لمدة ثلاثة أيام في حال المخالفة، ويُعطى مهلة شهر لإزالة المخالفة، وفي حال عدم الالتزام يغلق لسبعة أيام ومهلة شهر آخر، وإذا لم يلتزم يُغلق المحل حتى إزالة المخالفة حكما، مع دفع غرامة مالية قدرها "500" ليرة سورية عن كل يوم إغلاق"، وتقوم على تنفيذ هذا القرار وما ماثله لجنة تسمَى: "اللجنة الفرعية لتمكين اللغة العربية".
اللغة العربية في التشريع الأردني
وفي الأردن نصت الفقرة "و" من المادة الثَّالثة من قانون التعليم العالي والبحث العلمي رقم: 41 لعام 2001م في المملكة الأردنية الهاشمية، على أنَ التعليم العالي يهدف إلى تحقيق "تعميم استعمال اللغة العربية لغة علمية وتعليمية، في مراحل التعليم العالي، وتشجيع التأليف العلمي بها، والتَّرجمة منها وإليها".