تحت عنوان "الكاتب الليبى هشام مطر يبحث عن ظل أبيه فى لوحات إيطالية" نشر موقع independentarabia قراءة فى رواية شهرٌ فى سيينا الصادر حديثا للكاتب الليبى الذى حقق شهرة عالمية.
يقول الموقع: "لطالما قادت المأساة كتابات الروائى هشام مطر، كما تشهد على ذلك روايتاه "فى بلد الرجال" (2007) و"تشريح الاختفاء" (2011)، خصوصاً كتابه "العودة" (2016) الذى حصد جائزة "بوليتزر" العريقة ورصده مطر لوصف عودته إلى ليبيا بعد 25 عاماً أمضاها فى التقصّى حول ما حصل لوالده، المعارض لنظام القذافى الذى كان يعيش فى القاهرة حين خطفه رجال الطاغية واقتادوه إلى السجن فى ليببا حيث توارى فى ظروف لا تزال غامضة".
ويتابع الموقع، تظلّل هذه التجربة الصادمة كتاب مطر الأخير، "شهرٌ فى سيينا"، الذى صدر حديثاً وبالتزامن فى نيويورك ولندن، على الرغم من إشاحة نظره الحاد فيه نحو مشهدٍ آخر. فبعد ثلاث سنوات كرّسها للكتابة عن عودته إلى وطنه الأم، نراه يتوجّه إلى مدينة سيينا الإيطالية ويمضى شهراً كاملاً فى تأمّل لوحات أُنجِزت فيها بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر. ولا عجب فى هذا الخيار بما أن الكاتب افتُتِن بعمل رسّامى هذه المدينة منذ توارى والده. رسّامون ساعدته أعمالهم فى عبور محنته والعثور على وسيلة للمضى قدماً.
ويتابع الموقع، تجدر الإشارة بدايةً إلى أن لقاء مطر الأول بهذه المدرسة الفنية حصل فى "المتحف الوطني" فى لندن، وكان آنذاك فى سنّ التاسعة عشرة. أما طريقة تأمّله أى لوحة، فتقضى ببقائه أمامها ساعات، وأحياناً يوماً كاملاً، لا بل أيام عدّة: "تتغيّر الصورة بطريقة غير متوقّعة أثناء تأمّلنا فيها"، يقول الكاتب. وفى مكانٍ آخر من كتابه، يقول فى أعمال مدرسة سيينا تحديداً: "ألوانها، تمثّلاتها الرقيقة والمأساة المعلّقة زمنياً فيها كانت قد أصبحت ضرورية لي". وبعد ربع قرن على هذه الهواية، لم يخفت أبداً شغفه بهذه الأعمال لعثوره فيها على ما يحدّد الفن الذى أتى بعدها، إذ "الحياة الذاتية للمتأمّل فى العمل الفني، ضرورية لإنجازه".
ومن كتابه الذى تزيّنه صورٌ للّوحات التى تفتنه، يتبيّن لنا أن ما يهمّ مطر فى هذه الأعمال هو المعرفة البشرية التى سعى رسّامو سيينا إلى إيصالها لنا من خلالها، وأن ما يراه فيها يرتبط بشكلٍ حميمى بمشاغله وهمومه الخاصة. من هنا توقّفه عند جدارية أمبروجيو لورينزيتي، "استعارة للحُكم الجيد"، على سبيل المثال، التى نشاهد فى جزء منها رجلاً نبيلاً يمسك بحبلٍ يربط الخير العام بالعدالة والحكمة، رجل قد يكون من أصول عربية نظراً إلى سحنته السمراء. من هنا أيضاً رصده فصلاً فى كتابه للقائه الصاعق فى روما بلوحة "داوود حاملاً رأس جليات" للرسام كارافاجيو، لوحة يقول فى شأنها: "لا أظن أن النبى داوود، كما يصوّره الرسام، يتندّم على انتصاره، بل على راديكالية ما ارتكبه، إذ بات قتله رجلاً آخر، للمرة الأولى فى حياته، أمراً واضحاً وممكناً تصوّره. بات يعرف ماذا يعنى أن نقتل إنساناً".
كتاب مطر المثير لا يقتصر على قراءته الخاصة لأعمال رسّامى مدرسة سيينا، إذ نقرأ فيه أيضاً صفحات جميلة حول سيينا بالذات وسكّانها، وتحديداً حول طبيعة الحياة فى مدينة فاتنة من القرون الوسطى، بسورها الضخم الذى لم يشيَّد لردع الغزاة عنها فحسب، وفقاً للكاتب، بل أيضاً لـ "تكثيف معناها"، وبمتاهة طرقاتها الضيّقة التى نلجها كما "نلج جسماً حيّاً"، وبقلبها النابض بالحياة الذى يقع فى ساحة "ديل كامبو" التى لم يرَ مثيلاً لها ويقول فيها: "أن نعبرها هو أن نشارك فى رقصة دهرية هدفها تذكير جميع الكائنات المعزولة بأنه ليس جيداً ولا ممكناً أن نعيش وحدنا كلياً".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة