مع انتهاء فعاليات منتدى شباب العالم في نسخته الثالثة أرى أنه من الواجب هنا أن نشير إلى هذا الجهد الخرافي الذي بذله المنظمون والذي لا أتورع عن التأكيد على احترافيته ودقته وإنسانيته في الآن ذاته، فلم يترك المنظمون كبيرة ولا صغيرة إلا وحسبوا حسابها، في أي وقت وفي أي مكان أنت في أيد أمينة، أيد محترفة، أنت في أيد تعرف كل الاحتمالات وتجهز نفسها لها، ولن أحدثك هنا عن تفاصيل الاستقبال والضيافة وحضور الندوات وتصاريحها، ولا عن تواجد الشباب "اللي زي الورد" في كل مكان ليخدموا ضيوف مصر من الداخل والخارج، بل سأذكر لك موقفا سيخبرك ببلاغة ما تعنيه كلمة "احترافية التنظيم".
في رحلة الإياب من شرم الشيخ إلى القاهرة اختلطت علينا الطرق، وبدلا من أن نذهب إلى صالة 2 في مطار شرم الشيخ ذهبنا إلى صالة 1، كانت الساعة الرابعة صباحا، وطيارتنا ستقلع في الخامسة والنصف، وإذا ما نزلنا من السيارة أمام البوابة الخطأ سنتعطل لا محالة، وفي الأغلب لن نلحق بالطائرة، وقبل أن ننزل من السيارة وجدنا أمامنا شاب من فئة "زي الورد" الذين يمتلئ به المنتدى، فتطوع بسؤالنا عن رقم الرحلة وميعاد إقلاعها، ولما أجبناه قال لنا أننا أمام البوابة الخطأ، وأرشدنا إلى الصالة الصحيحة، فسألته: هل هناك رحلات على هذه الصالة الآن فقال لا، فسألته: لماذا تقف هكذا فقال: تحسبا لأي خطأ مثل الذي وقعتم فيه.
لا يجب هنا أيضا أن أنسى المجهود الخرافي الذي بذلته إدارة فندق "شتايجن برجر ألكازار" الذي استضاف غالبية الكتاب والصحفيين والإعلاميين المدعوين للمنتدى، وفي الحقيقة فإنه على مدار ثلاث سنوات من التردد على هذا الفندق أيام المنتدى لم نجد إلا كل حفاوة ومحبة وترحاب، وفي الحقيقة أيضا فقد كان المنتدى فرصة سعيدة لأتعرف على هذا الفندق الذي يمتلكه رجل الأعمال حامد الشيتي، ولأكتشف أن بمصر فنادق لا تقل روعة وجمالا واحترافية عن أكبر فنادق العالم، ولا أخجل من أن أقول "بل أجمل" فقد تميز هذا الفندق الجميل بالعديد من المميزات النادرة، فهو بلا شك من رواد مدرسة "الاحترافية الدافئة" في التعامل مع العملاء، وقد ظهر على إدارة الفندق مدى المحبة تجاه منتدى شباب العالم، ومدى استعدادهم لخدمة أهداف بلدهم من موقعهم، فقد كانوا جنودا في موقعة المنتدى المشرف.
في "شتايجن برجر الكازار" حالة لا يستطيع الواحد تجاهلها، تحولت علاقات جميع المقيمين في هذا الفندق أثناء فترة المنتدى وتغيرت، صاروا على حد تعبير صديقي المذيع مصطفى كفافي "مثل أصدقاء ثانوي" يتجمعون، يسهرون، يتناقشون، يتبادلون المحبة والآراء، يتبارى كل واحد فيهم بما كتبه عن المنتدى، وما لمحه من مفارقات، وما لاحظه من ملاحظات، ولأن هذا المنتدى أصبح عيدا سنويا للأمل والمحبة والأفكار الطازجة، انعكس هذا على غالبية اللقاءات وغالبية المناقشات، وكان الفندق خير جامع لهذه الحالة، بفضل تصميمه المعماري الرشيق الذي يجمع ما بين عراقة الفن الإسلامي وحداثة "المودرن" وفضاءاته، تشعرك بواباته العالية وزخارفه الدافئة وخطوطه الواضحة في انسياباتها بالراحة، فضاء لا يجرح عينيك، ومبان رشيقة متناسقة مع بيئتها، متآلفة فيما بينها، مسطحات مدروسة بعناية، وخدمات موزعة بما يكفل الراحة والجمال في آن، شيء ذكرني بما كان الفيلسوف الألماني جورج هانز جادمر عن الجمال الوظيفي، أي الجمال الذي يؤدي وظيفة عملية ومهمة جمالية في ذات الوقت، وهو أمر ميز العمارة الإسلامية في كل العصور التاريخية، فالفنان المسلم صنع غالبية تراثه من أجل وظيفة محددة، لكنه مع هذا زين كل شيء بروائع فنه، وابتكر في كل شيء جمالا متميزا حتى أصبح للفن الإسلامي بصمة عالمية، فلا يكفي أن تكون حوائط المسجد عالية أو مصقولة، بل لابد أن تزينها الكتابات الزخرفية والزخارف الهندسية والنباتية، ولا يكفي أن يكون الطبق مسطحا أو عميقا، ولكن يجب أن يحمل دعاء أو زخارف تسر الناظرين، حتى السيف المعد للطعن والنزال زينه الفنان المسلم وجعل منه آية من آيات الإبداع، وهكذا الحال في فندق شتايجن برجر الكازار الذي كان كل شيء فيه يؤدي وظيفة، وكل شيء فيه يجمل ما حوله.
كل هذا في جانب والعنصر البشري في جانب آخر، فمنذ بداية إقامتنا في هذا الفندق صحبتنا الفنانة المبدعة "رانيا عاطف" مديرة العلاقات العامة في الفندق في كل التفاصيل، استقبلتنا كضيوف للمنتدى بالورود ، وكانت طوال أيام المنتدى في كل شبر في الفندق تطمئن على كل واحد فينا، وتذلل أية صعاب أمامنا، بمودة حقيقية وروح دائفة، وهو أمر غير بمستغرب عليها لأنها في الأساس فنانة مبدعة، فقد قامت في طفولتها بأهم بطولة "طفولية" في حياتنا، حيث كانت بطلة للعديد من الأفلام والمسرحيات والمسلسلات، أشهرها على الإطلاق مسرحية "هالة حبيبي" بطولة العبقري الراحل "فؤاد المهندس" كما لا يجب أيضا أن ننسى دور الأستاذ إبراهيم رضوان المدير الاقليمي لفنادق جاز وشتايجن برجر، التي شاركت في استضافة المؤتمر، والذي كان سندا وأخا لكثير من الزملاء، وقد ظهر هذا جليا حينما مرضت الزميلة "لميس سلامة" في أواخر أيام المنتدى فحرص على رعايتها بنفسه ومساعدة زملائها في مداواتها وعلاجها، وهذا كل يدل على أن هؤلاء الجنود المجهولين يعملون وفق منظومة ناجحة وعقل إداري واع تحت إدارة رجل الأعمال الكبير حامد الشيتي، ليكون لهم كبير الأثر في مواكبة حالة منتدى شباب العالم المبهجة .