مثل أى دولة، شهدت الولايات المتحدة على مدار السنوات الثلاثين الماضية أزمات سياسية عديدة ومتتالية كان بعضها عاصفا، والآخر توارى بعد فترة من الزمن فلم يعد أحد يتذكره، لكن صراع آدم وحواء على مسرح السياسة الأمريكية دائما ما أشعل حماس المتابعين، ليصبح أشبه بمباراة كرة قدم سياسية يتلهف الجماهير لمعرفة من المنتصر فيها.
ولعل القضية الحالية التى تشغل الرأى العام الأمريكى وهى عزل دونالد ترامب أحد نماذج هذا الصراع الذكورى الأنثوى الذى سيبقى فى ذاكرة الأمريكيين والمتابعين حول العالم طويلا، فالجميع يراقب المناورات السياسية بين الرئيس ترامب ونانسى بيلوسى رئيسة مجلس النواب التى تعد رمز الديمقراطيين فى هذه المعركة السياسية.
ويزداد الأمر إثارة بطبيعة شخصية الخصمين، فترامب يعرف بموقف العدائي من النساء بشكل عام وله العديد من السقطات ضدهن سواء قبل أو بعد دخوله البيت الأبيض، فى حين أن بيلوسى تلك الجدة النحيفة تعرف بعنادها وقوفها بقوة فى وجه معارضيها.
وطوال الأشهر الماضية لم تتوقف حالة التلاسن السياسى بين ترامب وبيلوسى، ففى سبتمبر اتهمته بالتورط فى عملية تستر وإعاقة سير العدالة، ليرد بأنه لن يعمل مع الديمقراطيين حتى يوقفوا التحقيقات بشأنه، وانسحب بعد أقل من ثلاث دقائق من اجتماع معها.
وقبل ساعات من تصويت العزل فى مجلس النواب، وجه ترامب رسالة شديدة اللهجة قال فيها إن التاريخ سيحكم عليها بقسوة، لترد واصفة إياه بالمريض حقا.
صراع بيلوسى وترامب سيمتد بكل تأكيد فى العام الجديد عام الانتخابات، ليجعلها أكثر سخونة عن المعتاد، لاسيما وأن إستراتيجية رئيسة مجلس النواب تستند إلى محاولة إطالة أجل محاكمة مجلس الشيوخ لتحقيق أقدر ممكن من الأذى السياسى لترامب.
ولا تعد بيلوسى المراة الوحيدة التى خاض ترامب ضدها صراعا سياسيا، فسبقتها فى المحاولة هيلارى كلينتون أثناء موسم انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2016. فكانت المعركة بينهما قوية بقدر صلابة شخصية كل منهما. وزاد الأمر إثارة أيضا أن هيلارى كانت أول امرأة تترشح للرئاسة الأمريكية على الإطلاق، ولكن معركتها كانت مع رجل لا يرحم النساء، ولا يتوانى عن استخدام الألقاب المحقرة ضد خصومه حتى لو كانت امرأة، فأطلق عليها لقب هيلارى المحتالة، ورغم أنها فازت بالأصوات الشعبية فى الانتخابات إلا أن أصوات المجمع الانتخابى هى التى فتحت الطريق أمام ترامب إلى البيت الأبيض.
هيلارى بدورها خاضت معركة قوية أخرى قبل صراعها مع ترامب، وهى معركة رئاسية أيضا ضد باراك أوباما. فتنافس كليهما على سباق الحزب الديمقراطى فى انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2008.
وكان السباق قويا وحظى باهتمام غير مسبوق ليس فقط لكونه بين رجل وامرأة، ولكن بين أول سيدة أمريكية أولى سابقة تسعى للعودة إلى البيت الأبيض هذه المرة كرئيسة وبين أول أمريكى من أصل أفريقى يترشح ثم يفوز بالرئاسة.
فى أواخر القرن العشرين، خاض الرئيس الأسبق بل كلينتون صراعا ضد امرأة شابة كادت أن تعصف به بفضيحة جنسية، فعلاقة كلينتون بمتدربة البيت الأبيض مونيكا لوينسكى فى عام 1998 أحدثت ضجة سياسية كبرى، وجعلت كلينتون قريبا من ترك البيت الأبيض بعد تصويت مجلس النواب على عزله.
وبعد مرور أكثر من 29 عاما على الفضيحة، لا تزال لوينسكى النقطة السوداء فى تاريخ كلينتون الذى كان يحقق نجاحا كبيرا على الصعيد الداخلى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة