بين التحذير واستشراف مستقبل الأمة العربية ومحاولة للقراءة السليمة للتيارات المستقبلية بعث الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط برسائل 3 للعرب ورصد سيناريوهات مستقبل المنطقة العربية، التى قال أنها تعيش وضعاً صعباً في ظل المتغيرات العالمية يتطلّب من دولها العمل على استعادة أمنها الجماعي والاتفاق على أولوياتها في هذا المجال، لافتاً النظر إلى أن هنالك مصادر أساسية للخطر الذي يهدد الأمن القومي العربي وهي: السياسات ومحاولات الهيمنة والأطماع الإيرانية والتركية والإسرائيلية، داعياً العرب إلى أن يكونوا أكثر جرأة في التفكير بحلول نوعية تحفظ أمنهم القومي، مشددا على أن بقاء القضية الفلسطينية من دون حل يضعف من قدرتنا على التصدى لإيران التى طالما استغلت هذه القضية بقدر لا مثيل له من الانتهازية السياسية.
جاء ذلك في محاضرة مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، بعنوان “العالم العربي في ظل المتغيرات الإقليمية والعالمية” بمقره فى أبوظبي، وقال أبو الغيط أن التهديدان الإيرانى والتركى يتقاطعان على الأراض السورية، والتهديد التركى صارخ فى ليبيا، بل والتهديد الأثيوبى لمصادر المياه فى الدولة العربية الأكثر سكانا، يعد أيضا تهديد للأمن القومى العربية.
وتابع أبو الغيط، إن إدراك المتغيرات وقراءتها بشكل سليم وعلمي هو الأساس الذي يجب أن تستند إليه الدول العربية في سعيها إلى تحقيق مصالحها على الصعيدين الجمعي والفردى، الأمر الذى يتطلّب منها رصداً دقيقاً لما يدور على الساحة العالمية، وما يطرأ عليها من متغيرات، ومن ثمّ مناقشتها بشكل معمّق للخروج بتصورات وسيناريوهات مستقبلية مع الحرص على عدم الجزم والاعتماد على تصور محدد والاستعداد الدائم للتعامل مع المتغيرات التي قد تكون غير متوقعة في كثير من الأحيان.
وأضاف أن الصعوبة الشديدة التي تكتنف عملية التنبؤ بالتوجهات المستقبلية العالمية تعود إلى كثرة المتغيرات التي تؤثر فيها؛ الأمر الذي جعل ساحة المجهول منها أوسع كثيراً من ساحة المعلوم، وكذلك الغموض الذي يشوب تركيبة النظام الدولي حالياً بشأن إذا ما كان نظاماً متعدد الأقطاب أو وضعاً تسوده فوضى العلاقات والتحالفات وانعدام الثقة.
ولفت النظر إلى أن التغيرات المتسارعة فى المشهد الدولى تزيد من صعوبة التنبؤ بالمستقبل، ممثلاً على ذلك بانتهاء ما سماه (لحظة الأحادية الأمريكية) التى تتمثل فى التراجع الكبير فى هيمنة الولايات المتحدة على العالم نتيجة التغيرات العميقة التى تحدث على صعيدها الداخلى، والتي تدفعها إلى التخلى عن زعامة العالم، وبزوغ قوى صاعدة مثل الصين التي تمتلك مقومات هائلة تؤهلها لمنافسة الولايات المتحدة، بل والتفوق عليها في الكثير من المجالات على الصعيدين الاقتصادي والتكنولوجي في المستقبل القريب.
وأشاد أبو الغيط بنهج الإمارات في التعامل مع التحديات وتجاوز التفكير التقليدي، كما أشاد، بسعيها إلى امتلاكها ناصية العلوم والتكنولوجيا، وتجاوزها التفكير التقليدي في التعامل مع التحديات، مؤكّداً أنها تشكّل مثالاً متميّزاً ونموذجاً يحتذى به في التفكير خارج الصندوق والجرأة في تبني الطموحات المستقبلية.
وأشاد بجهود الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، وبدور المركز الذي قال إنه يؤدي رسالة بالغة الأهمية ويقدّم خدمات جليلة ليس على مستوى دولة الإمارات فحسب بل على المستوى العربي، باعتباره واحداً من أهم بيوت الفكر العربية التي نجحت في فرض حضورها وصناعة اسم معتبر لها في مجال الدراسات الاستراتيجية، وأسهمت في سدّ حاجة العالم العربي منها وخصوصاً فيما يتعلّق باستشراف المستقبل ودراسة التطورات العالمية ودورها الضاغط والمؤثر في إحداث التغيرات فيه.
واستعرض أبو الغيط التطورات الجارية في العلاقات الدولية وفي النظام الدولي كله، حيث يمر العالم بمرحلة تغيير عميق تحركها تحولات كبرى على صعيد الاقتصاد والتكنولوجيا والديموجرافيا، وغير ذلك من العوامل.
وفي الوقت الذي تتزايد فيه الشبكات العالمية تعقيداً، وتتصاعد المخاطر والتهديدات، يتعرض النظام العالمي الذي ظهر عقب الحرب العالمية الثانية لتآكل ملحوظ، وتعاني مؤسساته ظاهرتَي التراجع وانعدام الفاعلية والمصداقية؛ وتعكس هذه التغيرات تحولات أعمق في موازين القوى العالمية، وتصاعداً ملحوظاً في حدة المنافسة بين القوى الكبرى.
وتطرق أبو الغيط إلى أهم المتغيرات التي تتسبب بتزايد حالة انعدام اليقين على المسرح الدولي، وتدفع التفاعلات العالمية في اتجاهات يصعب التنبؤ بمآلاتها، وخاصة مع تزايد تأثير عناصر الاضطراب في البيئة الدولية؛ مثل: الأزمات المالية، والهجرة، والتطورات التكنولوجية، والتغير المناخي، وغيرها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة