محمد حبوشه

مواسم الرياض .. خطوة جريئة لرفاهية المواطن

الجمعة، 27 ديسمبر 2019 08:14 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صناعة الترفيه في المملكة العربية السعودية، أصبحت بلا شك إحدى الصناعات التي يتنوع أثرها الاقتصادي بين الأثر المباشر وغير المباشر، وذلك كان نتاجا طبيعيا لحملات العلاقات العامة التي سعت مؤخرا لتغيير صورة المجتمع السعودي المحافظ إلى مجتمع منفتح على العالم، بحيث أصبح الآن وفي ظل رؤية 2030 التي وضع أسسها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، مجتمعا جاذبا للأجانب مرحبا بالغرباء والاستثمار.
 
وبفضل جهود المستشار بالديوان الملكي "تركي آل شيخ" رئيس هيئة الترفيه، والذي غير مفاهيم الترفيه وأرسى قواعد صناعتها العصرية التي تتمثل في السينما، المسرح، التليفزيون، الحفلات الموسيقية والغنائية والرياضات المختلفة، فضلا عن المعارض والأوبرا والعروض والموضة والألعاب الإلكترونية والفنون الاستعراضية، والترفيه الرقمي والرياضي والمعالم السياحية، و التي كشفت مؤخرا عن كنوز ثقافية وأثرية تحظى بها الجغرافيا السعودية، ليتيح للمواطن في النهاية كل فرص الاستمتاع بالترفيه التي اعتاده في سفره وترحاله خارج المملكة لسنوات طويلة.
 
ولأن "تركي آل شيخ" هو واحد من العقول المستنيرة في المجتمع العربي الحديث، بحكم أنه ينتمي إلى قبيلة المثقفين النابهين من الشعراء وكتاب الأغاني من مبدعي هذا الزمان، فضلا عن كونه ينتمي للطبقة الوسطى من أبناء السعودية، فقد وضع نصب عينيه منذ توليه رئاسة هيئة الترفيه أنها صناعة مؤثرة في الاقتصاد العالمي بدليل أنه تم تخصيص 1.8 تريليون دولار لدفع عجلة هذه الصناعة في العالم بأثره، كما أنه من المتوقع وصولها لـ2.2 تريليون في 2020، ويبدو لنا ذلك التطور في أن  أمريكا على سبيل المثال خصصت 655 مليار دولار لها، ومن المتوقع وصولها لـ 720 مليار دولار، بما يمثل 3.5 ? من الناتج المحلي الإجمالي.
 
والمتأمل لصناعة الترفيه في المملكة العربية السعودية سوف يلحظ أن الإجراءات التي اتخذتها المملكة حتى الآن لتدعيم قطاع الترفيه بإنشاء الهيئة العامة للترفيه والهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، واللتين أعلنتا عن تنظيم أكثر من ألف فعالية عامي 2018و2019، وتوزيعها على أكثر من 60 مدينة، استنادا إلى توقيع 5 اتفاقيات مع أكبر شركات بالعلم في المجال الترفيهي أهمها "ناشيونال جيوجرافيك وIMG"، إضافة إلى تسجيل 500 شركة جديدة مستثمرة بصناعة الترفيه السعودي خلال عام واحد، وهو الأمر الذي دعى إلى الإعلان عن مشروع مدينة "القدية" أكبر مدينة ترفيهية بالعالم، والتي من شأنها أن تضيف 17 مليار دولار للاقتصاد السعودي.
 
إذن الفوائد الاقتصادية لخلق قطاع الترفيه بالسعودية كثيرة ومتعددة، فبالإضافة إلى توفير 224 ألف فرصة عمل خلال العشر سنوات القادمة، فقد أصبح ملموسا زيادة استهلاك السلع والخدمات المصاحبة لتلك الفعاليات الترفيهية، والتي أدت بالضرورة
 
إلى تحفيز الاستثمار، حيث تحتاج إلى 64 مليار دولار استثمارا حكوميا وخاصا، محليا وأجنبيا، خلال 10 أعوام؛ وذلك بهدف إنشاء البنية التحتية اللازمة للصناعة، بالإضافة إلى أن ضخ هذه الأموال يرفع من النمو السنوي للاقتصاد السعودي خاصة الاقتصاد غير النفطي الذي تعتمد عليه المملكة بشكل أساسي.
 
والأمر الملحوظ أيضا أن هنالك فوائد غير مباشرة تتمثل في وقف تسرب الأموال لخارج المملكة، فمعروف أن السائح السعودي يعد الأعلى إنفاقا في العالم بمتوسط 6000 دولار للرحلة الواحدة، ومن ثم فإنه بإمكان هؤلاء المواطنين استخدامها في الاستثمارات الترفيهية الداخلية بالمملكة، وهو ما يؤدي بطبيعة الحال إلى صناعة الاستقرار والمساهمة الكبيرة في تحقيق السلم الاجتماعي، وتخفيف التوجه المحافظ وحدة التشدد الديني الذي ظل شبحا مخيفا لسنوات طويلة، وإتاحة متنفس للشباب السعودي.
 
ومن هنا فإن مواسم السعودية التي أطلقت في كل من "الطائف" طوال أغسطس الماضي، و"الرياض" 11 أكتوبر وحتى نهاية يناير 2020، "الدرعية" من 22 نوفمبر حتى 21 ديسمبر 2019، "العلا" من 19 ديسمبر 2019 حتى 7 مارس 2020، "حائل" من 22 ديسمبر 2019 حتى 10 فبراير 2020، تأتي بمثابة تظاهرات ثقافية وفنية وتراثية تؤدي إلى تحويل المملكة إلى إحدى أهم الوجهات السياحية في العالم، من  خلال ألوان من الفعاليات الكبرى والتجارب السياحية الفريدة المليئة بألوان الفرح والبهجة، حيث يكتشف المواطن السعودي من خلالها عراقة ماضي السعودية وثقافتها الفريدة، وسحر طبيعتها الخلابة.
 
لقد أدخل "تركي آل شيخ" بجهوده الحثيثة وعقله المستنير النشاط الترفيهي بالمملكة العربية السعودية منعطفًا تاريخيا جديدا عبر الاستراتيجية الجديدة للترفيه، والتي تفضي إلى تنظيم عدة مهرجانات إبداعية وفنية وإقامة الملاهي المتنقلة، وعروض الخدع البصرية والسيرك، والعروض التفاعلية الخيالية باستخدام التقنيات ثلاثية الأبعاد، وكذا مسابقات الألعاب الالكترونية والمغامرات الكبرى، كما يبدو لنا واضحا جليا من خلال "موسم الرياض" في تظاهراته وحفلاته الغنائية الحالية.
 
ويبدو لي ولغيري من المراقبين لحالة التطور التي تشهدها السعودية حاليا بفضل رؤية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن استراتيجية "آل شيخ" تستند إلى قاعدة صلبة تتمثل في أن المملكة العربية السعودية لها باع طويل في الفن والثقافة والفكر والأدب، لكنه تم اختطافها - وذلك على حد قوله - لفترة من الزمن وتعود لها المملكة الآن من جديد، وكان نتاجا طبيعيا لذلك أن تحققت مؤخرا طفرة كبيرة في إيرادات السياحة الترفيهية بفضل هذا التوجه الجديد نحو تنويع مصادر الدخل القومي.
 
هذا ويعدة موسم الرياض  هو الحدث الأضخم في سلسلة المواسم الترفيهية في المملكة العربية السعودية، كما بدا لنا من خلال حفل الافتتاح الأسطوري، الذي احتشدت فيه وحوله الجماهير من مختلف دول العالم سواء بالحضور وسط نجوم العالم والوطن العربى بأجوائه الحماسية المشتعلة أو عبر المشاهدة على الشاشة الفضائية، واستهدف الموسم في دورته الأولى بالرياض - العاصمة - جذب نحو 20 مليون زائر من المواطنين والمقيمين داخل المملكة ومن السياح القادمين من الخارج خلال 80 يوما هى عدد أيام المهرجان الثقافي الفني الذي يتضمن برنامجا يصل عدد فعالياته إلى أكثر من 100 فعالية، تتوزع على 12 موقعًا بمساحة 14 مليون متر مربع.
 
ويجدر بالذكر هنا أن الهيئة العامة للترفيه بالسعودية قد أعلنت منذ أيام عن مؤشرات إيجابية في أعقاب انطلاق "موسم الرياض" حيث قالت إحصاءات حديثة أن نسبة إشغال وحجوزات الفنادق كانت ماتزال كاملة حتى الآن ، وأن عدد السياح والزوار بلغ 100 ألف سائح، والنسبة تزيد عن 10 ملايين زائر خلال 62 يوما، الأمر الذي انعكس على إغلاق مقار عدد من الفعاليات بعد وصولها إلى الحد الأقصى وتجاوز ذلك قدرتها الاستيعابي، وعلى نحو مواز انتعشت العمليات المالية في مدينة الرياض بأكثر من 333 ألف عملية، عبر 201 ألف بطاقة بنكية خلال "موسم الرياض"، في أكتوبر الماضي، بمبلغ تجاوز 156 مليون ريال، نفذ 5% من عملياتها زوار من خارج المملكة.
 
أرقام استثنائية في جذب السياح السعوديين والأجانب إلى "موسم الرياض" الذي يعد الأول الذي تشهده البلاد على مر تاريخها الطويل، فكانت إقامته بمثابة تحد لا رجعة عنه بالنسبة إلى رئيس هيئة الترفيه "تركي آل الشيخ"، الذي أخرج كل ما في جعبته ليغدو مروجا رئيسيا للمهرجان بالتغريدة والأغنية والإعلان، ولم لا حتى بـ"النكتة والسخرية" أيضا إذا استدعى الأمر ذلك، بعدما كشفت الرياض عن ساقيها، لكن ظل التحدي الأكبر بالنسبة إلى صناع الترفيه في تلك العاصمة الصحراوية، هو كسب رهان 8 ملايين من سكان المدينة التي عرفت منذ عقود بهيمنة المحافظين والمتشددين على معظم أنشطتها، ومفاصل الحياة الاجتماعية فيها، لكنها استطاعت أن تكون أقرب إلى اسمها المشتق من "الروض والواحات الغناء" لتعيد سيرتها الأولى في ثوب كرنفالي قشيب.
 
ولما لاتنفض الرياض عنها ثوبها غبار الماضي المشحون بالغضب وشظف العيش الذي يخاصم الحياة الطبيعة للإنسان السعودي الذي يستحق كل هذا الترفيه، أليس هذا ما تعهد به رجلها القوي الأمير محمد بن سلمان، الذي قال: إننا "سنعود إلى الإسلام المعتدل الذي كنا عليه قبل عام 1979م، وسندمر الإرهاب الآن وفورا، ولن نضيع 30 سنة أخرى في التعامل معه.
 
ويظل أجمل ما في "موسم الرياض" أنه أتي بأبرز معالم الترفيه من دول العالم إلى أرض السعودية، فقد حاول فيها منظمو الموسم تطبيق فلسفة جديدة في الترفيه حين اتخذ "تركي آل شيخ" شعار: "بدلا من أن تذهب إليه هاهو يأتيك"، ومن ثم فقد اجتهد القائمون على التظاهرات في توفير ما أمكنهم من وسائل الترفيه ومدنها العالمية من (لندن وروما إلى أميركا وفرنسا وحتى دول أفريقيا)، ووزعوها على 12 منطقة في  الرياض، فكانت منطقة "البوليفارد" وتعني باللغة العربية "الشارع الفسيح"، وكانت هي المحطة الرئيسة، حيث تم جمع ما تفرق في غيرها، وحاول المنظمون أن تكون مثلما تشتهي أنفس السكان وعلى هوى الزوار، بأزقتها وعروضها ومفاتنها، التي لم تستثن حتى المياه الشحيحة في الصحراء.
 
واللافت للانتباه في منطقة "البوليفارد" أنه قد أقيمت فيها بحيرة فسيحة الأرجاء، تحفها المطاعم والساحات المتنوعة في أنشطتها من المأكولات المحببة للجمهور، كما توسطتها نافورة راقصة بألوان مبهرة، وذلك في ظل تناوب أقطاب الطرب الأصيل والحديث على إمتاع زوارها بأجمل الأنغام، من كوكب الشرق أم كلثوم إلى فيروز وصولاً إلى محمد عبده الذي حمل المسرح الأكبر في الساحة اسمه.
 
وبالإضافة إلى "منطقة البولفارد"هنالك "معرض الرياض للسيارات" الذي تم تصميمه خصيصًا لمحبي السيارات، و"رياض ونتر وندرلاند" القادم من لندن إلى الرياض حاملا معه الكثير من سبل الترفيه التي لا تنسى، و"ملاعب الرياض التي ستشهد مواجهة "ليو ميسي" وزملاؤه الأرجنتينيون البرازيل في مشهد دولي من المؤكد أنه سيجذب مشجعي كرة القدم من كل مكان.
 
وعن "الحي الدبلوماسي" فحدث ولا حرج فقد تم فيه استضافة مؤتمرين ممتعين "رغم أنهما غنيان بالمعلومات"، وهما: حفل جوائز صناعة الترفيه في موسم الرياض، ومستقبل الأزياء  في منطقة الأحياء الدبلوماسية بموسم الرياض، وفي حى "الملز" ستكون توجد "الغابة السحرية"، ويستضيف "وادي نمار" فعاليات "مهرجان شذا" الذي يقدم من خلاله رياضات مائية وألعاب المغامرة، وفي "نبض الرياض" سنجد تاريخ المملكة الغني، حيث ستعرض هذه المنطقة عروضاً فولكلورية وموسيقى كلاسيكية حية.
 
أما "رياض سفاري" فلأول مرة في المملكة العربية السعودية ، يقدم موسم الرياض تجربة سفاري مفتوحة مثالية لمحبي المغامرة والتشويق، حيث ستحيط بك الأسود والأفيال والطيور النادرة أثناء قيامك برحلة عبر موائلها الطبيعية في سيارة السفاري الآمنة بالمنطقة، وفي قلب "صحراء الثمامة" الشهيرة كان الزائرين على موعد مع تجربة سعودية رائعة، حيث كان بإمكانهم التخييم وركوب الخيل والاستمتاع بالموسيقى الحية، كما كان لصحاري الرياض مجموعة مثيرة من الأنشطة لتكتشفها، بما في ذلك يوم ممتع على الكثبان الرملية.
 
يبقى أن نقول إن هنالك نقلة نوعية وجريئة تصب في خانة الترفية للمواطن السعودي الذي ظل طويلا لا يدري عن كنوز بلاده، حيث الغني الثقافي والفني جمال الطبيعة الساحرة والتظاهرات التر اثية التي تستعيد عراقة الماضي في ثوب عصري وبمفهوم انفتاحي جديد.. تحية تقدير واحترام لولى العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وذلك بمساهمة جادة من جانب "دينامو الترفيه الأول" الشاعر والمثقف "تركي آل شيخ".
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة