ونحن نتحدث عن الحكومة ما بعد التعديل الوزارى، هناك ضرورة للتعامل مع ملفات ربما تكون تأجلت لأسباب أو أخرى، لكن فتحها أصبح ضروريا، وهى التى تتعلق بالقوة الناعمة، خاصة ونحن نتحدث عن بناء الوعى، والقدرة على الحوار.
وإذا تحدثنا عن الإصلاح السياسى وما يرتبط به من أهمية التنوع وحرية الرأى والتعبير، تجد الثقافة تجد مكانها وسط بناء الوعى، نحن هنا نتحدث عن الثقافة بمعناها الواسع، وليس فقط ما يتعلق بالكتاب والنشر والموسيقى والأوبرا والفن التشكيلى والثقافة الجماهيرية، لكن السينما والدراما التى تمثل أحد أهم أدوات القوة الناعمة.
هنا ينضم الإعلام إلى الثقافة ليمثلا جناحين لبناء الوعى والقوة الثقافية المؤثرة. فى عالم تجتاحه التقنيات الحديثة والاتصالات التى حولته إلى غرفة صغيرة، يصعب البقاء فيها من دون امتلاك درجة من الوعى.
ربما تكون هناك حاجة لبناء مجموعة القوة الناعمة التى لا تقل أهمية عن المجموعة السياسية أو الاقتصادية، بل إنها تمثل أحد أجنحة ضبط الوعى بالشعل الذى يسمح بحرية الرأى مع القدرة على إقامة حوار بعيدا عن الصراعات التى تخلو من المعانى.
هذه المجموعة يفترض أنها تضم مع الثقافة والإعلام التعليم والسياحة والآثار والتعليم العالى والبحث العلمى، لأن الوعى لا يتوقف فقط على الجانب النظرى أو العملى، لكنه يتشعب ليشمل ما يقدم فى الإعلام، لأن القوة الناعمة لا تتوقف فقط على الجزء الظاهرة من قمة جبل، بل هى الجزء الغاطس، فالتطرف والإرهاب بجانب أنها نتاج لتفاعلات سياسية واجتماعية واقتصادية معقدة، هى أيضا نتيجة لغياب وتغييب الوعى وانتزاع الروح النقدية والثقافة من العقول.
التعليم كان فاعلا عندما كانت الثقافة والمكتبات نشطة، واليوم فإن أدوات النشر والتعبير أصبحت أكثر اتساعا، وعالم أدوات التواصل يتيح إمكانات لنشر الثقافة، ولكنه فى الغالب يختصر فى النميمة والضجيج والشوشرة، بل ويساعد على العزلة بدلا من التواصل. ومن المفارقات أن الوعى ربما كان متاحا فى مراحل لم يكن التعليم منتشرا بهذه النسبة الحالية، ومع هذا كانت هناك تأثيرا للإذاعة والصحف والكتب والسينما والدراما، أضعاف ما هو متاح الآن، وكانت السينما مصدر الدخل الثانى بعد القطن، وظلت المسلسلات والأفلام مصدر دخل كبير حتى التسعينيات والألفية. وكان القطاع الخاص مع قطاع الإنتاج بالتليفزيون قادرا على تقديم أعمال فنية تنافس وتسوق صورة مصر ولهجتها.
وإذا انتقلنا إلى ملف الثقافة وقوة مصر الناعمة، فإنها لا تختصر فقط فى خطط تقليدية تنافس القطاع الخاص، لكن يفترض أن تكون هناك تفاعل مع أدوات العصر، واستفادة مما هو مطروح وليس مجرد إنتاج كتب أو مجلات، وقبل أيام كان هناك اجتماع للرئيس مع الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، تم فيه استعراض مجمل استراتيجية الوزارة ومحاور عملها وخططها المستقبلية، ودور الوزارة فى نشر الثقافة والفنون، وتطوير المحتوى الثقافى والفنى وأيضا توصيل الرسالة الثقافية إلى القرى والنجوع والمناطق الحدودية، وجرى الحديث عن إعادة تأهيل قصور الثقافة لنشر التوعية وتعليم الفنون.
هناك حديث مستمر عن دور قصور الثقافة فى التواصل مع الشباب والمراهقين، ومنه اكتشاف المواهب فى مجالات الفنون والآداب، هناك أدوار للمجلس الأعلى للثقافة وهيئة الكتاب وصندوق التنمية الثقافية فى دعم مشروعات المسرح فى الإقاليم وليس فقط فى القاهرة. كل هذه التفاصيل مهمة، لكنها تحتاج إلى أن تتفاعل مع عناصر أخرى، مثل الإعلام والتعليم والجامعات، فى منظومة واحدة يمكنها معالجة ما يتعلق بالعقل، وربما تكون هناك حاجة وقد وصلنا الى استقرار سياسى واقتصادى، أن نقترب من العمل الجماعى داخل الحكومة للتعامل مع القوة الناعمة والوعى.