هذا هو المعرض الرابع على التوالى الذى يقيمه مجمع الفنون بالزمالك والذى يرأسه الفنان الشاب فكرا ونشاطا وتطلعا والكبير فهما وخبرة وإدراكا إيهاب اللبان، فعلى مدار أربعة معارض كبيرة، يثبت اللبان بالبيان العملى أن مصر خبيئة فنية متجددة، وأنها مازالت قادرة على الإدهاش، وإنها مازالت تحتوى بداخلها على كنوز مخفية حرمنا منها الإهمال والروتين والغفلة وعدم التقدير.
بدأت تلك السلسلة من المعارض مع افتتاح مجمع الفنون الذى يرأسه اللبان بمعرض أظهر كنوز متاحفنا من اللوحات العالمية التى تضاهى فى براعتها وأهميتها ما يعرض فى أكبر متاحف العالم، ثم أتبعه معرض ضم روائع النسيج الإسلامى والقبطى، ثم معرض آخر مقتنيات أسرة محمد على والأعمال الفنية التى صنعت من أجلهم، ثم هذا المعرض الذى يحمل عنوان "ذاكرة الشرق" والذى عرض لأهم لوحات الفنانين المستشرقين الذين جسدوا مصر وآثارها ومجتمعها وشوارعها وشعبها فى القرن التاسع عشر وبدايات العشرين، فكانت عيونهم بمثابة الخزانة الفنية التى تقتنص كل جميل، وتحتفظ بكل مدهش وأصيل.
يأتى هذا المعرض الذى يستمر حتى السادس من فبراير القادم ليؤكد أن بمصر العديد من الكنوز المخفية التى ما أن تلتقطها العين الخبيرة وتتلقفها اليد المحترفة تتحول إلى أيقونة مبهرة وموحية، وهو ما حدث تماما فى مجمع الفنون بالزمالك الذى أصبح قبلة الأصالة والبهجة، كما تحول إلى صرح فنى متجدد الحضور والإلهام، فمنذ افتتاح هذا المجمع فى منتصف 2017 احتضن تلك السلسلة المبهرة التى تكشف عن بصمة مصر الراقية ومجموعة مقتنياتها التى لا تضاهيها مجموعة أخرى فى الشرق الأوسط، ولم يفصل بين معارض سلسلة "كنوز متاحفنا" سوى عرض لوحات الفنان العالمى جيرار غاروست الذى حل على مصر كضيف شرف لبينالى القاهرة الدولى الذى ترأسه أيضا الفنان إيهاب اللبان ما يدل على أن هناك وعى عام بأن يظل هذا الصرح "مجمع الفنون" كمنصة لإطلاق المشاريع الفنية الكبيرة، والتى لا تختلف عن أكبر المشاريع الفنية عالميا، فكيف حدث هذا؟ ولماذا أطلق لقب عالمى على معارض "مجمع الفنون"؟
إذا ما نظرنا إلى المجموعات الفنية التى عرضها مجمع الفنون منذ افتتاحه سنجد أنها مجموعات عالمية بالفعل منذ المعرض الأول الذى استخرج من مستودع كنوز مصر أهم اللوحات الأوربية والمصرية التى تفخر بها أهم متاحف العالم فرأينا أعمال جوجان مع أعمال حامد ندا وشادى عبد السلام وتعانقت فيه أعمال عبد الهادى الجزار مع أعمال محمود سعيد، وتماثيل محمود مختار مع منحوتات أحمد عثمان، بجانبهم أعمال بول جوجان، ورودان، ورينوار، جان دومينيك انجر، وبيسارو، تولوز لوتريك، وديلاكروا، أما فى المعرض الثانى فضم مجموعة من أهم أعمال النسيج القبطى والإسلامى، والمشتغلون بحقل الآثار والعارفون لتاريخ الفنون يدركون تماما أن الأعمال النسيجية من أندر الأعمال لأنها مواد كانت عرضة للاستخدام اليومى من ناحية ولأنها مواد عضوية فى الأساس أى أنها قابلة للتحلل بشكل أكبر من مثيلاتها، ولذلك فإن الأعمال الفنية النسيجية كانت ومازالت من أهم مقتنيات المتاحف العالمية، ثم نأتى إلى المعرض الثالث الذى احتوى على أهم الأعمال الفنية التى أبرزت "ملامح عهد" الأسرة العلوية بمصر، وهى أعمال قام بتنفيذها العديد من الفنانين العالميين أيضا، كما صنع بعضها فنانون مصريون على قدر كبير من الاحترافية، ثم نأتى إلى المعرض الرابع الذى نحن بصدده الآن، والذى عرض لأهم الأعمال الفنية الذى جسدت حركة الاستشراق الفنى فى مصر والعالم، وهى أيضا مجموعة كانت متاحف العالم لتفخر بها إن حازتها.
نأتى إلى السبب الثانى لاعتبار هذا الحدث عالمى بحق وهو عبقرية العرض الذى تميزت بها المعارض الأربعة، وعلى رأسها المعرض الحالى الذى ظهرت فيه حرفية العرض المتحفى بشكل احترافى متقن، وهنا لابد أن نقف أمام هذا الأمر، فقصر عائشة فهمى الذى يحتضن هذا المعرض هو قصر أثرى، مسجل فى عداد الآثار المصرية، ولا يجوز مع أثرية هذا المكان المهم أن نغير فى شكله أو نعدل فى مساراته أو نعبث بهوية، وهو ما يضيف تحديات كبيرة أمام مبتكر المعرض، لكن إيهاب اللبان بما تحصل عليه من خبرة طويلة فى هذا المجال استطاع أن ينتج كل معرض بدرجة عالية من الإتقان بشكل يجعلك تنسى أن هذا المعرض متغير، بل تكاد تظن أن كل المعروضات التى احتضنها مجمع الفنون بقصر عائشة فهمى تنتمى إلى هذا المكان فى الأساس وليست دخيلة عليه، ساعد فى هذا حرفية توزيع الإضاءة المبهر دون بهرجة، وتصميم أدوات العرض المتجانسة مع طبيعة المنشأة، ودقة وضع سيناريو العرض وتصميم أماكن وضع اللوحات المختلفة لكنها تمنح دور البطولة لكل قطعة فنية على حدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة