يعنى إيه نقد.. ويعنى إيه.. ناقد؟
قبل كل شىء
اعلم أن مجموعة مقالاتى القادمة لهذا الموضوع ستكون «الأكثر مللا»!!
ولكن هى لمن يريد أن.. يعرف.. ويفهم.. أثر النقد والنقاد فى التاريخ الفنى.. مابين الحقيقة.. والواقع!
اسمح لى عزيزى القارئ هذه المرة أن أكسر القاعدة التى قامت عليها سلسلة مقالاتى.. وهى شرح معنى المصطلح المراد الحديث عنه أولا.. قبل الحديث عنها، فلقد أردت هذه المرة أن نعرف المعنى من خلال الشكل العملى له، بدلا من التعريف اللغوى للمعجم حتى لا ترسم صور مسبقة لهذا المعنى شديد الأهمية!
وتعتمد كعادة المخرج كسر النمط فى كتاباتى السابقة، وذلك لأن «اختلال» تفسير معنى النقد والناقد.. وضبابية العلاقه بينهما هو أحد أهم أسباب تشويه معانى أسماء ومصطلحات المهن فى المجال الفنى.. بل هو حجر العثرة لعد وجود نهضة فنية وثقافية حقيقية!
وربما كان ذلك بسبب «مدعى» مهنة النقد الفنى بكل أنواعه.. وهم كثيرون.. والمخيف فى الأمر.. أنهم يتكاثرون بشكل تدريجى متسارع، خاصة بعد تقدم وسائل التواصل الرقميه فى العقود القليلة الماضية، والتى جعلت كل من لديه حسابا على صفحات «الإنترنت» ناقدا فنيا، بل وسياسيا واقتصاديا، وربما طبيبا أو جراحا ماهرا وبارعا لا غبار عليه!
ولن أزيد عندما أشير بأصابع الاتهام أيضا للعديد من مقدمى فقرات البرامج المعنية بالفن (للأسف انحصرت كل الفنون عندهم فى دراما السينما والتليفزيون والغناء فقط)، سواء لجهلهم.. أو عدم احتراافية معدى برامجهم.. أو تدخل أهوائهم الشخصية.. أو البحث عن الشهرة.. إلخ.
فكل هؤلاء.. دون أدنى شك يشكلون السبب الرئيسى فى تشويه المعنى الأصيل لتلك المهن والمصطلحات الفنية.. وللثقافة بشكل عام!
ولذا وجب التنويه..
و«ببطء وصبر» شديدين.. دعونا نبحث عن حقيقة.. النقد.. والناقد!
من أبرز الكتاب العرب فى مصر الذين أثروا بكتاباتهم فى الفن والنقد الفنى المفكر زكى نجيب محمود (1960) الذى كتب فى مجال قضايا النقد المعاصرة، وقسم الاتجاهات النقدية إلى ثلاثة اتجاهات:
«الأول:
ينتقل من العناصر المحسوسة فى العمل الفنى إلى العناصر النفسية الكامنة فى نفس الفنان.
الثانى:
يبحث عن شىء خارج العمل الفنى وخارج ذات الفنان (السياق).
والثالث:
ينصب على العمل الفنى ذاته ليرى كيف تتألف عناصره».
ويعد زكى نجيب أن الاتجاه الثالث هو الاتجاه الحق الذى يجب أن يتبعه النقاد.. وقد أطلق على هذا الاتجاه اسم «الاتجاه الجديد».
وفى تحليل أحد النقاد الأوروبيين فى أحدى مقالاته عن فكرة مهارات الناقد.. فقام يشرح تلك السطور القادمة.. «النقد الجيد هو مهارة يجب تعلمها.. التدريب عليها.. والتمكن منها».
ولكن الأهم من ذلك.. أنها تكتسب مع مرور الوقت.. بمشاهدة أفلام عديدة ذات مدارس ومناهج مختلفة، لزيادة قدرة لغتك السينمائية، ولتطوير وتنشيط ذاكرتك الفيلمية، ومعرفتها ومعرفة الفنون المختلفة، كلها بشكل عام.
وتقاس كمية محصلة معلوماتك للفنون.. بقدر قدرتك وقابليتك لفهم الفنون جميعا.. وماتحويه بداخلها من معان عميقة وأبعاد مختلفة».
منذ نشأت صناعة السينما عالميا.. وكان الناقد السينمائى أحد أسباب التأثير على شباك التذاكر..
وزاد عدد النقاد بشكل مخيف وكثيف.. ولكن ظل عبر التاريخ القليل منهم من يتم تداول ودراسة أعمالهم النقدية عبر الزمان!
كانت تلك المقدمة..
ولأبدأ الآن مهمتى.. المكوكيه الطويلة والثقيلة!....
الأسماء الآتية.. هم من أعظم(10) نقاد سينمائيين على مدار التاريخAndré Bazin, Judith Crist, Roger Ebert, Pauline Kael, Leonard Maltin, Andrew Sarris, Gene Shalit, Peter Travers, François Truffaut, Armond White.
وقد اخترت أربع شخصيات من الأسماء العشرة السابقة.. اخترتهم متنوعين ومختلفين فى أساليبهم ومواصفاتهم بشكل واضح.. وذلك.. للتعريف بهم.
ومن وجهة نظرى لم يختلفوا كثيرا عمن هم فى وقتنا الحاضر، وإن كان نوع واحد منهم... هو الغالب!
-1 «أندريه بازان»
هو أحد كبار نقاد الفيلم فى العاالم.. بدأ حياتة المهنية فى 1934
كان هو أحد مؤسسى أحد أهم المجلات السينمائية «كراسة السينما»
“Cahiers du Cinéma”، والأهم فى أعمال «بازان» هو كتاباته العظيمة فى «نظريه الفيلم» “Film Theory”.
هذا بالإضافه إلى كتاباته عن «الواقعية فى السينما» “Realism in Cinema”، والتى مازالت حتى الآن تقرأ بشكل منقطع النظير لدى طلاب السينما فى العالم.
-2 «فرنسوا تريفو»
على غير عادة كل النقاد، فرانسوا تريفو لم يكن يعرض أو يحلل الأفلام فقط، ولكنه كان يصنعها.. وبعد سنوات عديدة من كتابة تحليلات قاسية عن الأفلام فى مجلة «كراسة السينما» عام 1950.. وضع «تريفو» أمواله فى صناعة السينما بدلا من الكتابة لها!
وبدأ «تريفو» إخراج أولى أفلامه عام 1959 بفيلم «الربعمائة هبة رياح»
“The 400 Blows”.
وقد أثبت تريفو صحة كل ما كتب من قبل بقلمه من خلال إخراجه للفيلم، حيث فاز الفيلم فى مهرجان كان السينمائى بجائزة أفضل مخرج.
ويفوز تريفو بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبى عام 1973عن فيلم «نهار من أجل الليل»“Day For Night”.. وكناقد للأفلام عرف «تريفو» باكتشاف نظريه «سينما المؤلف» فى صناعة السينما “Auteur Theory”
وقد استعان بأفلام «ألفريد هيتشكوك» لشرح نظريته تلك، كما قام بنشرها فى كتاب فيه لقاء مطول مع ألفريد هيتشكوك.
-3 «روجر إيبرت»
ناقد أفلام أمريكى وهو الأشهر- بلا منازع- فى الولايات المتحدة الأمريكية عبر الزمان!
كان روجر ينقد الأفلام فى مجلة «شيكاجو سن تايمز»“Chicago Sun -Times”لمدة تزيد على الخمسين عاما..وبمشاركة المذيع المشهور «جين سيسكل»“Gene Siskel”، ووضعا سويا عبر شاشة التليفزيون طريقة نقدية جديدة لتقييم الأفلام وهى «الإبهام لأعلى والإبهام لأسفل»
“Thumbs Up” or “Thumb’s Down” Rating System.
ولشهرة «روجر» الجامحة على صفحات المجلات أو شاشات التليفزيون،
كان من شأن رأى «روجر» الأثر فى شباك التذاكر نجاحا أو.. سقوطا!
ولم يكتف روجر بذلك، وإنما بدأ مهرجان سينمائى سنوى باسمه خاص به، اسمه «مهرجان إيبرت» “Ebertfest”، والذى كان دائما يعرض الأفلام التى كثيرة المشاهدة والمتابعة.
وبرغم عمق كلمات «روجر» التحليلية للأفلام.. فإن «وحشيته .. و«شدة سخرييه» و«مقالاته السلبيه» عن الأفلام، كانت هى السبب الأكبر فى شهرته.. وكانت إحد أشهر جمله النقدية الساخرة والفجة: «لقد كرهت هذا الفيلم، كرهته.. كرهته.. كرهته.. كرهت هذا الفيلم..كرهته!»“I hated this movie. Hated. hated hated ...hated hated this movie... Hated it”.
-4 «بولين كايل»
بدأت بولين حياتها المهنية كناقدة سينمائية عندما كان رئيس تحرير
مجلة «سان فرانسسيكو» فى أحد الكافيهات.. وسمعها مصادفة وهى تنقد أحد الأفلام مع صديقة لها.. فعرض عليها الوظيفة!
وبعد ذلك بفترة.. وكناقدة لإحدى المجلات النسائيه «ماك كالس» “McCall’s”.
اشتهرت «بولين» وذاع صيتها بشدة لعمق تحليلاتها ومزج تفاصيل حياتها وخبراتها داخل تحليلات الأفلام للشرح.
وقد اشتهرت بآرائها السلبية للأفلام التى كان يتم إضفاء الضوء عليها بشكل مبالغ فيه.. والوقوف بجانب الأفلام الفنية او الجيدة التى لم تلق حظ إلقاء الضوء عليها.
وزيادة للتعريف والتوثيق للمهتمين..
الأسماء الآتيه.. هم من أفضل(8) نقاد فى الوقت الحالى: J. Hoberman, Philip French, Michael Phillips, Nick Schager, A.O. Scott, Al Kratina, Matty Robinson, Scott Tobias
سأترككم لحظات للتأمل فى النماذج الأربعة السابقة.. وللتدقيق فى النقاط الرئيسية لنجاح كل شخصية.. ونمط كل شخصية منهم.. مع الرجاء بتخزين هذا الرصيد من المعلومات عنهم فى أذهانكم جيدا.
والآن..
اسمحوا لى أن أعود بلغة السينما “فلاش باك”، ولنبدأ معا كيف بدأت فكرة النقد فى أصل التاريخ.
منذ بدء الخليقة.. كانت رسوم بعض الأشكال الحيوانية على جدران الكهوف، لتحقيق جماليات المتعة البصرية لدى الإنسان البدائى.. والتى تطورت بتطوره الحضارى، فارتبط النقد الفنى فى الحضارات القديمة بالرعاية.
فكان الحكام والكهنة هم من يحددون القيم الجمالية والوظيفية للفنون.
والفنانون هم.. مجرد عمال مهرة.. يشرف على هؤلاء العمال المهرة .. «معماريون ومهندسون» لهم القدرة على تقييم وتوجيه تلك الأعمال، وعند قيام هؤلاء.. بتوجيه الفنانين، وتفسيرهم وتوضيحهم هذه الفنون للحكام والكهنة.. كانوا بذلك يقومون بصورة من أولى صور النقد الفنى للأعمال الفنية!
ومن هنا.. بدأت فكرة النقد و.. النقاد!
من خلال استشارات وتوجيهات..«حكام وكهنة».. و«معماريين ومهندسين»!!
وللحديث بقية!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة