الشباب هم عصب الشعوب ومصدر قوتها ومكملو مسيرة شيوخها وورثة حضاراتها ومصدر طاقتها الإنتاجية والإبداعية..
وبناء عليه، يلزم جيلَ الآباء والشيوخ الإيمانُ بقيمة الشباب ورعايتهم والعناية بهم، والعمل على نقل الخبرات إليهم، وهذا أمر طبيعى يتماشى مع سنّة الحياة وألمحت إليه سنّة النبى، صلى الله عليه وسلم، كما نفهم من سيرته، فقد اعتنى بالشباب واحترمهم واهتم بتربيتهم نفسيًّا وخلقيًّا وسلوكيًّا، ومن دلائل احترامه لهم أنه كان يمر بالصبية يلعبون فيسلم عليهم، ويلاحظ الغلام يسىء الأدب عند الطعام فيرشده إلى آدابه، أو لا يحسن أحدهم أن يصلى فيأخذ بيده. وكان يشجعهم فى رياضتهم وكان، صلى الله عليه وسلم، يثق بالشباب ويعتمد عليهم فى أداء المهمات الثقال، فقد كلف زيد بن ثابت بتعلم اللغات لما رأى فيه أمارات النبوغ بل كان، صلى الله عليه وسلم، يعهد إلى الشباب بما هو أثقل من ذلك، فقد ولى أسامة بن زيد رضى الله عنه وأرضاه إمارة جيش كبير ضد عدوان الروم المتوقع فى السنة الحادية عشرة للهجرة، وعقد لواءه بيده الشريفة وفى الجيش مشيخة الصحابة الكبار كأبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبى وقاص وغيرهم من أصحاب الخبرات والتقدم فى الإسلام، لكن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صدر أسامة ووثق به، ولما اشتد مرضه جعل يقول: «أنفذوا بعث أسامة»، ولقد أبلى أسامة بلاء حسنا بلغ مسامع هرقل عظيم الروم وأزعجه إزعاجًا شديدًا.
هذه النظرة النبوية الحانية المتفهمة للشباب ودورهم فى بناء الأمة أنتجت القرن الثانى من صغار الصحابة وكبار التابعين الذين تعلموا فى مدرسة النبوة واقتدوا بمشيخة الصحابة فنهضوا بالدعوة وفتحوا البلاد وأسسوا للحضارة الإسلامية ذلك الأساس المتين الذى مكن لشمس الإسلام أن تنير على ربوع الدنيا.
وإذا نحن رسخنا هذه المبادئ وثبتنا هذه القيم، فمن مقتضيات الرعاية للشباب وضرورات العناية بهم أن نلتفت إلى الأخطار التى تهددهم فى صحتهم وفى عقولهم وفى وعيهم وفى انتمائهم، ولعل أكبر هذه الأخطار تهديدًا للشباب هو التطرف والإرهاب، فإن خطره لا يقتصر على تدمير الصحة كما تفعل المخدرات مثلًا، لكنه يمتد إلى التلاعب بالعقل وتزييف الوعى، ولا يألو جهدًا فى تدمير الانتماء إلى الوطن، فيغدو الشباب المضلل وهم حرب على أهليهم ومجتمعاتهم، يدمرون ما كان يتوقع منهم أن يعمروه، ويهدرون من القيم والولاء للوطن ما كان يجدر بهم الدفاع عنه. ولذلك لا نبالغ إذا قلنا إن تزييف الوعى وتضليل العقل المفضى إلى التطرف أخطر على الشباب من المخدرات؛ لأن خطر المخدرات ظاهر يسهل اكتشافه والاهتمام به أسريًّا وتعليميًّا وإعلاميًّا، أما خطر التطرف فخفى قد لا يلتفت إليه الكثير منا، ولا يلقى من الرعاية والتحصين الأسرى والمؤسسى ما يقضى عليه فى مهده ويكفى الأمة شروره وعواقبه.
ولأن الهجمة على الشباب شرسة وواسعة الأطراف فإن الأسرة وحدها لا تصمد لها، ولذا يجب على مؤسسات الدولة أن تتكاتف لصد هجمة التطرف والإرهاب الشرسة. وعن طريق التكامل والتعاون بين المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية يمكن القضاء تمامًا على هذا الفكر السرطانى الشاذ عن وسطية الإسلام واعتداله.
أما المؤسسات الدينية كالأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف والكنيسة، فعليها دور كبير يتمثل فى مراجعة ما ينشر ويبث من مواد دينية بشكل مباشر أو غير مباشر وما يطرح على الناس من أفكار قد تحمل بذور التطرف التى تثمر إرهابًا فيما بعد.
أما بالنسبة للأسرة الحاضنة للنشء والمؤسسة التعليمية المربية له، فلا بد من إعداد برامج أسرية للآباء والأمهات والقائمين على التعليم من مدرسين ومدرسات وواضعى مناهج.. يدرَّس فيها بشكل نظرى مبسط بنية الأفكار المتطرفة وكيفية تفكيكها وتفنيدها والرد عليها، حتى يكون لهذا الجيل القدرة على حماية الشباب من التلاعب الفكرى وتزييف الوعى ومسخ الهوية.
وإذا كانت الوقاية خير من العلاج كما قرر العلماء، فإن من أسباب الوقاية تنمية روح الانتماء فى قلب الشبيبة وتوعية الشباب بأهمية الوطن وتفعيل دورهم فى بنائه وتعميره، والتأكيد على أنه لهم بمثابة الأسرة الحاضنة والبيت الذى يجمعهم ويربطهم به روابط الدم والنسب والعرض، ويتطلب منهم الدفاع عنه كما يدافعون عن عرضهم ونسبهم بدمائهم، وتوعيتهم بأن التطرف مشروع خبيث يهدف إلى تخريب وطنهم عن طريق تزييف وعى الشباب وتحريف اعتقادهم والتلاعب بعقولهم وعواطفهم.
ولعل ما تقوم به الدولة من مشروعات طموحة تستوعب طاقات الشباب وتمكِّن لإبداعهم وتعبر عن طموحهم هو أهم الخطوات الإجرائية التى تحمى الشباب من خطر التطرف والإرهاب، ونظرًا لدور هذه التنمية وخطرها على تمدد الإرهاب فإن أصحاب الفكر المتطرف يقلقهم تقدم الوطن وسعيه الحثيث فى مسيرة البناء والتعمير، ولذلك نرى أن واجب الوقت المفروض علينا هو تحصين شبابنا بالوعى والعلم والنهوض ببلادنا نهضة اقتصادية سليمة بالتخطيط العلمى والتنمية الحقيقية، وبذلك لن يكون القضاء على مشروع التطرف والإرهاب إلا على أيدى الشباب، وسيقف الشباب العاقل المستنير الطموح حائط صد ضده وليس ضحية مستهدفة له.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة