زيارة الديكتاتور التركى رجب طيب أردوغان إلى تونس، الأسبوع الماضى، تمثل امتدادا للمعضلة التى يعانيها الرئيس التونسى الجديد قيس سعيد، فى الداخل التونسى، والتى تدور حول الاختيار بين الشعب التونسى، والأجندات السياسية، لتضفى لها بعدا دوليا، يحددها موقفه من التحالفات الدولية والإقليمية، حول القضايا الشائكة التى تفرض نفسها على الساحة الدولية، وعلى رأسها الأزمة الليبية، والتى ترتبط بالأمن القومى للدولة التونسية، إذا ما أخذنا فى الاعتبار الموقع الجغرافى، خاصة وأن التطورات الليبية لابد أن تترك تداعيات كبيرة على الداخل التونسى، سواء على المستوى الأمنى أو حتى الاقتصادى، فى ظل احتمالات تدفق مزيد من اللاجئين إلى الأراضى التونسية.
معضلة الرئيس التونسى تتجلى بوضوح فى خلفيته السياسية البيضاء، حيث دخل الانتخابات الرئاسية دون ذراع حزبى، وهو الأمر الذى كان بمثابة أبرز المؤهلات التى دعمت فرصته على حساب المرشحين الأخرين، الذين "أحرقتهم" الأجندات الملونة، والتاريخ الحزبى، وبالتالى تحول إلى مرشح شعبوى، لاقى قبولا كبيرا بين الجماهير، إلا أن وصوله إلى "عرش قرطاج"، طرح تساؤلا رئيسيا حول ما إذا كان قادرا على مواصلة نفس التوجه لخدمة المواطن التونسى، أم أنه سوف يتلون برؤى حزبية، أحرقها التونسيون مرات عدة، منذ ما يسمى بـ"الربيع العربى"، سواء بالتظاهرات تارة أو بالانتخابات تارة أخرى، وهو ما بدا فى الانتصار الذى حققه قيس سعيد نفسه على حساب الساسة.
يبدو أن الموقف الذى سيتبناه قيس سعيد من ليبيا سيقدم إجابة على تساؤل ربما يطرحه العديد من المحللين السياسيين، حول ما إذا كان الرجل لديه فواتير انتخابية عليه أن يسددها، أم أنه مديون للتونسيين الذين آثروا أن يختاروه بعيدا عن الأجندات والأحزاب، التى سئموا من سياساتها ومواقفها منذ سقوط نظام بن على فى يناير 2011.
ولعل المظاهرات التى أطلقها قطاع كبير من التونسيين، احتجاجا على زيارة الديكتاتور التركى، تمثل رسالة صريحة للرئيس الجديد، مفادها أن الشعب التونسى لا يقبل الخروج عن طبيعته المسالمة المعتدلة، لصالح قوى التطرف، والتى يمثل أردوغان خليفتهم المزعوم، خاصة وأنهم سبق لهم وأن رفعوا راية التمرد على الأجندات المتطرفة عدة مرات.
احتجاج التونسيين على زيارة أردوغان، لا تقتصر فى مضمونها على المخاوف الكبيرة من تداعيات الأوضاع فى ليبيا على الداخل التونسى، والذى ربما يتحول إلى ساحة خلفية للمعركة التى يرغب الديكتاتور العثمانى المزعوم فى إشعالها، لزعزعة استقرار المنطقة، وإنما تمتد لتتحول إلى موقف شعب من العلاقة مع تركيا، فى ظل توجهاتها الراهنة، والتى تبقى على طرف النقيض مع طبيعة الشعب التونسى المعتدل المحب للحياة، والذى سبق وأن واجه ظروفا صعبة فى الفترة بين عامى 2011 و2014، جراء تفشى سياسة الاغتيالات والتى استهدفت العديد من الساسة من ذوى التوجهات الليبرالية.
مخاوف التونسيون من زيارة أردوغان ترتبط إلى حد كبير بالتطورات فى الداخل مع وصول حركة "النهضة" الإخوانية إلى السيطرة على البرلمان، فى انتخابات شهدت مقاطعة من المواطنين، الذين سبق لهم وأن احتشدوا فى انتخابات الرئاسة ليعلنوا تمردهم عليها، بينما حشدت الجماعة كتائبها للاستحواذ على أغلبية المقاعد، وبالتالى تبقى الزيارة الثقيلة امتدادا للمخاوف التونسية من المستقبل، فى ظل الاعتماد المتبادل بين "النهضة" وأردوغان لتحقيق الطموحات التوسعية لأنقرة عبر تقديم فروض الولاء والطاعة، مقابل دعم وصولهم إلى السلطة فى كافة دول المنطقة، وفى القلب منها تونس.