كان عام 2019 ملئ بالأحداث فى الشرق الأوسط، لاسيما شهد ارتفاع وتيرة الصراع بين الجمهورية الاسلامية بقيادة المرشد الأعلى على خامنئى والولايات المتحدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب، وبلغت الأحداث خلال الأشهر الـ 12 الماضية ذروتها، ووصلت إلى حافة الهاوية ونقطة اللاعودة إذ مرت بأخطر أيامها فى شهر يونيو وكاد يشتعل فتيل الحرب، لتتراجع عن الحافة خلال الأشهر الأخرى وتختتم السنة بجهود وساطة عمانية أوروبية وتتوج بصفقة تبادل سجناء فى ديسمبر بين واشنطن وطهران وعقوبات أمريكية ايضا على بعض القيادات والكيانات.
على المستوى العلاقات بين إيران والولايات المتحدة خلال 2019، تطور الصراع بين البلدين عقب انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق النووى الإيرانى فى مايو 2018 وصل التوتر ذروته مع ارتفاع وتيرة الهجمات على ناقلات النفط فى مياه الخليج، وأشارت الولايات المتحدة بـأصابع الاتهام إلى إيران، فى مايو الماضى، حيث هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز إذا منعت من تصدير نفطها، ووردت الإدارة الأمريكية إن أي تحرك من إيران لإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجى غير مقبول، لذا نجدواشنطنت قد وعززت حضورها العسكري في منطقة الشرق الأوسط وأرسلت الولايات المتحدة حاملة الطائرات "يو إس إس أبراهام لينكولن" وقاذفات بي-52 إلى الخليج، كما نشر منظومة باتريوت والبارجة الحربية "يو إس إس أرلينجتون" وأعلنت إرسال 120 ألف جندى.
فى المقابل قررت إيران فى مايو 2019 خفض التزاماتها فى الاتفاق النووى وأمهلت الأوروبيين 60 يوما للالتفاف على العقوبات، وهدد الحرس الثورى باستهداف مصالح وحاملة الطائرات الأمريكية فى الشرق الأوسط، ليرد ترامب ويحذر من الاقدام على أي خطوة، وفى 14 يونيو 2019 فشلت الوساطة اليابانية بين طهران وواشنطن وخامنئى رفض رسالة ترامب التى نقلت عبر رئيس وزراء اليابانى، وأسقطت إيران طائرة أمريكية مسيرة فوق الخليج كادت تشعل فتيل الحرب فى 20 يونيو 2019، وتراجع الرئيس الأمريكى عن ضرب إيران فى اللحظة الأخيرة ودعا للحوار غير المشروط.
إيران بدأت فى 27 يونيو 2019 تقليص التزاماتها من الاتفاق النووى ردا على انسحاب أمريكا منه، وهددت فى 7 يوليو المقبل ببدء مرحلة ثانية من الحد من التزاماتها الواردة فى الاتفاق النووي، وخلال المراحل الثلاث الأولى التى اتخذتها طهران أعلنت رسميا فى 8 مايو 2019 التخلى عن بعض التزاماتها فى الاتفاق، وفى الأول من يوليو، زادت طهران مخزون اليورانيوم منخفض التخصيب عن الكمية المقررة فى الاتفاق وهى 300 كيلوجرام، و وتجاورت السقف المحدد من المياه الثقيلة.
وفى 7 يوليو أعلنت إيران انها تنوى أن تنتج فعليا اعتبارا من هذا اليوم اليورانيوم المخصب بدرجة تفوق الحد الاقصى المسموح به فى إطار الاتفاق النووي والبالغ 3,67%، وبعد 6 أيام رفعت نسبة تخصيب اليورانيوم لـ 4.5%.وفى 7 سبتمبر الماضى اتخذت إيران الخطوة الثالثة وتشمل 4 مراحل، فى مقدمتها تشغيل 20 جهاز طرد مركزى متطورة من طراز IR6 وIR4 من شأنها زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب.
ترامب
وفى سبتمبر شن الرئيس الأمريكى هجوماً جديداً على إيران، خلال كلمته السنوية فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، قائلا إن القادة الإيرانيين ينشرون الفوضى والقتل والدمار، ووصف طهران بالراعية الأولى للإرهاب وتوعدها بعقوبات اضافية فى 5 من نوفمبر، كما دعا ترامب دول العالم للانضمام إلى أمريكا بفرض عقوبات اقتصادية على إيران، وأشاد بقرار الانسحاب من الاتفاق النووى.
وفى نوفمبر تم سريان حزمة عقوبات وشملت:-عقوبات ضد شركات، تدير الموانئ الإيرانية، إلى جانب الشركات العاملة فى الشحن البحرى وصناعة السفن.عقوبات شاملة على قطاع الطاقة الإيرانى، وخاصة قطاع النفط.- عقوبات على البنك المركزى الإيرانى وتعاملاته المالية.
ثانيا عقوبات طبقتها واشنطن 7 أغسطس 2019 وتشمل:- حظر تبادل الدولار مع الحكومة الإيرانية، إضافة لحظر التعاملات التجارية المتعلقة بالمعادن النفيسة، ولاسيما الذهب، وفرض عقوبات على المؤسسات والحكومات، التى تتعامل بالريال الإيرانى أو سندات حكومية إيرانية.- حظر توريد أو شراء قائمة من المعادن أبرزها الألومنيوم والحديد والصلب، وفرض قيود على قطاعى صناعة السيارات والسجاد فى إيران.- حظر استيراد أو تصدير التكنولوجيا المرتبطة بالبرامج التقنية الصناعية، ذات الاستخدام المزدوج المدنى والعسكرى.
وتم إدراج الحرس الثورى الإيرانى على قائمة التنظيمات الارهابية، فى ابريل 2019، و8 قيادات بارزة فى الحرس، و ٥ قيادات اخري من قوات بحرية الحرس الثورى. كما وضعت واشنطن أسماء أكثر من 700 فرد وكيان وسفن وطائرات على قائمة العقوبات، ولأول مرة طالت العقوبات رأس النظام المرشد الأعلى على خامنئى ومكتبه وعلي اكبر ولايتي مستشاره للشئون الدولية.
داخليا، عانى هذا البلد من أزمة اقتصادية حادة إى تهاوت قيمة عملتها فى أبريل وقررت الحكومة حذف 4 أصفار من عملتها الرسمية الريال وتغيير اسمها إلى التومن فى تعاملاتها، لمواجهة التضخم، وواجهت طهران أزمة اقتصادية، نتيجة للعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على قطاعات حساسة أبرزها قطاعى النفط والقطاع المصرفى حيث أدت العقوبات إلى حرمان خزينة الدولة الإيرانية من مبيعات النفط وبالتالى انخفض مخزون العملة الأجنبية، وارتفعت قيمة الدولار أمام العملة الإيرانية بشكل غير مسبوق فى 2018.
وبشكل مفاجئ ووسط ازمة اقتصادية طاحنة تثقل كاهل الإيرانيين أعلنت الحكومة نوفمبر 2019 قرار تقنين توزيع البنزين ورفعت أسعاره بنسبة 50% أو أكثر،وخرج عشرات الإيرانيون فى احتجاجات ضد الإعلان المفاجئ، وبالتزامن مع القرار دشن روحانى مبادرة دعم 18 مليون من الأسر الأكثر احتياجا، من خلال دفع العائدات المالية الناجمة عن القرار إلى الشرائح الضعيفة، إضافة إلى عدم رفع سعر الجازوئيل" (الذى يستخدم وقودا للشاحنات التى تنقل البضائع والمواد الغذائية).
جواد ظريف
لكن مع كل هذا التوتر والعقوبات والأزمات الاقتصادية، يرحل عام 2019 تاركا الباب مواربا أمام الدبلوماسية وبصيص أمل كى تتخلص طهران من أزماتها، بعد حدث نادرا بين البلدين، إذ حصدت كلا من واشنطن وطهران ثمار الوساطة السويسرية والعمانية، في أول صفقة لتبادل السجناء صعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فى 2017، وأعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، اطلاق سراح عالم أكاديمى إيرانى يدعى مسعود سليمانى، مقابل افراج طهران عن الباحث الأمريكي- الصيني شيو وانج Xiyue Wang ، وقد تكون هذه الصفقة الخطوة الأولى التى قد تنتهى باتفاق جديد بين البلدين فى العام الجديد 2020، اتفاق يرضى ترامب بدلا من الاتفاق النووى الذى قد يكتب العام الجديد شهادة وفاته.