أبعاد جديدة لطبيعة التحالفات الدولية ربما تخرج من رحم الصراع فى ليبيا فى المرحلة المقبلة، فى ظل حالة من الارتباك سادت المشهد العالمى، منذ الاتفاقية غير الشرعية التى أبرمها الديكتاتور التركى رجب طيب أردوغان، مع رئيس حكومة الوفاق فايز السراج، لتعزيز التعاون العسكرى، والاقتصادى، ربما تبدو بوضوح فى مواقف القوى الدولية تجاه المستجدات الأخيرة، والتى تبدو مختلفة جذريا عن التعامل مع الأزمة السورية، والتى تسعى أنقرة إلى نقلها للأراضى الليبية، لتكرار المأساة التى عاشها السوريون لسنوات طويلة، منذ اندلاع ما يسمى بـ"الربيع العربى".
فإذا راجعنا المواقف الدولية من الأزمة السورية، والتى تتشابه فى معطياتها مع الوضع الراهن فى ليبيا، نجد أن ثمة حالة من المهادنة تجاه الميليشيات المسلحة، فى إطار التوجه الدولى لتقسيم المنطقة، عبر إثارة الفوضى وزعزعة الاستقرار فى المنطقة، بينما تبقى المواقف معاكسة إلى حد كبير حول الأزمة الليبية الراهنة، حيث يتجلى على السطح حالة من الامتعاض الأوروبى جراء خطورة التدخل التركى، فى حين تبقى موسكو ثابتة على موقفها الداعم للجيش الوطنى الليبى، فى الوقت الذى يبقى فيه الموقف الأمريكى، وإن كان أكثر فتورا بالمقارنة من الموقف الحاسم الذى تبناه الرئيس دونالد ترامب تجاه العدوان التركى على منطقة الشمال السورى، رافضا للتدخل الخارجى فى الشئون الليبية.
إلا أن اختلاف المواقف ليس المفارقة الوحيدة التى يمكن ملاحظتها تجاه التطورات على الساحة الليبية، ولكن تبقى الملاحظة الأبرز فى تغير توجهات الدول فى التعامل مع الأزمة، حيث أصبحت روسيا بمثابة فرس الرهان لأوروبا لدعمها فى دحض التهديدات التى يمثلها الدخول التركى المشبوه على خط الأزمة الليبية، بعدما كانت ترى الولايات المتحدة هى الداعم الرئيسى لها فى مجابهة كافة التهديدات التى تواجه القارة العجوز، منذ عقود طويلة من الزمن، وهو ما يرجع فى جزء منه للموقف الأمريكى الذى يبدو فاترا إلى حد كبير.
ولعل الاتصال الهاتفى الذى أجرته المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والتى تمثل أحد أكبر دعاة أوروبا الموحدة، بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين، لمناقشة المستجدات على الساحة الليبية، بمثابة استجداء أوروبى لموسكو، لإنقاذ ليبيا ومن خلفها أوروبا الغربية، فى ظل موقف أمريكى تراه أوروبا يحمل قدرا كبيرا من التخلى، عبر التلويح بالورقة التركية، لمقايضة دول القارة العجوز وإجبارها على الدوران فى فلك واشنطن، خاصة وأن الدور المشبوه لأنقرة يضع الحكومات الليبرالية فى القارة العجوز أمام أزمة أمنية واقتصادية جديدة، فى إطار التدفق المتوقع لموجات جديدة من اللاجئين، ربما يتسلل بينهم إرهابيين، إلى الدول الأوروبية، وهو ما يعد بمثابة القشة التى قد تقصم ظهورهم فى المستقبل القريب.
الاستجداء الأوروبى لروسيا فى الأزمة الليبية الراهنة، يمثل اعترافا أوروبيا بصعود روسيا، وقدرتها على مناطحة الولايات المتحدة على عرش النظام الدولى، استلهاما للنجاح الروسى المنقطع النظير فى فرض كلمتها على الجميع فى سوريا، واستئثارها بالنفوذ هناك، كما أنه يمثل اعترافا ضمنيا بأخطاء الماضى القريب، فى ظل الدعم الغير مشروط، الذى قدمته دول أوروبا الغربية لواشنطن لعقود، وهو ما ينبئ عن تغيير كبير فى موازين القوى الدولية فى إطار النظام العالمى الذى يتشكل فى اللحظة الراهنة.