بعد أربعة عقود من انتهاء دكتاتورية فرانكو فى إسبانيا وإعتماد البلاد للديمقراطية ، كان لنتائج الانتخابات فى "اندلوسيا" المستقلة التى جرت ديسمبر الماضى وقع الصاعقة على المشهد السياسى الوطنى فى إسبانيا بتراجع الحزب الاشتراكى الإسبانى الذى حكم الجهة منذ عودة الديموقراطية، ورغم استمراره كقوة سياسية أولى بـ 33 مقعدا إلا أنه لن يستطيع تشكيل حكومة بالتحالف مع بوديموس واليسار الموحد اليساريين.
وفى المقابل ورغم تراجع الحزب الشعبى اليمينى سجل من وسط اليمين "ثيودادانوس" صعودا ضاعف فيه عدد المقاعد المحصل عليها عام 2015 (21 مقعدا)، والمفاجأة التى هزت الأندلس وأصابت ارتدداداتها كل اسبانيا سجلها الحزب اليميني المتطرف "فوكس" الذى حصل على 12 مقعد وأصبح مفتاحا لتشكيل حكومة يترأسها الحزب الشعبى أو ثيودادانوس من وسط اليمين.
بابلو اجليسياس زعيم حزب بوديموس
ووفقا لبعض المحللين فإن حزب فوكس سيصبح عنصرا مهما فى الانتخابات البرلمانية للاتحاد الأوروبى فى مايو القادم، وفى الانتخابات الإسبانية فى يونيو 2020، وذلك عندما تحاول الأحزاب الأكثر تقليدية إبقاء الأحزاب القومية فى القارة فى وضع حرج.
وتم انتخاب خوان مانويل مورينو من حزب الشعب المحافظ رئيساً جديداً لحكومة الأندلس فى البرلمان الإقليمى فى إشبيليه، بدعم من حزب فوكس اليمينى المتطرف، وفضلاً عن دعم 26 نائباً من حزب الشعب المحافظ و21 نائباً من حزب المواطنين ثيودادانوس الليبرالى، فقد حظى أيضا مورينو بدعم 12 نائباً من حزب فوكس الشعبوى اليمينى الذى فاز بمقاعد لأول مرة فى انتخابات إقليم أندلوسيا التى أجريت فى ديسمبر الماضى.
وعلى مستوى العلاقات الخارجية لإسبانيا فإن حزب "فوكس" لا يهدد فقط العلاقة مع الاتحاد الأوروبى بانضمامه إلى باقى الآحزاب اليمينية الأوروبية المتطرفة المطالبة بالانسحاب من الاتحاد، بل يهدد وبقوة العلاقات مع المغرب ويعلن عداءه الواضح للمصالح المغربية وفى مقدمتها الصحراء المغربية.
أحد مؤتمرات حزب فوكس الأسبانى
وتم إنشاء "فوكس" بواسطة سانتياجو أباسكال، وهى متحدثة شرسة أسست الحزب بعد انفصالها عن الحزب الشعبى فى عام 2013، ويطالب حزب فوكس اليمينى المتطرف بوضع حد للأيديولوجية المتعلقة بنوع الجنس وإلغاء قانون مكافحة العنف ضد المرأة.
ويبدو أنه وجد موطئ قدم فى أندلوسيا، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الحزب دافع بقوة عن معركة إسبانيا لوقف المشرعين المستقلين من كتالونيا، حيث إن حركة الاستقلال تعرضت للانتقاد كمحاولة من كتالونيا، وهى منطقة غنية، للتخلى عن المناطق الفقيرة مثل الأندلس، حيث أن منطقة أندلوسيا وغيرها من المناطق الفقيرة فى إسبانيا تعتمد على موارد كتالونيا.
ولم يكن فوكس الحزب اليمينى المتطرف الوحيد الذى صعد فى الأونة الأخيرة فى إسبانيا ، بل أيضا فى العاصمة مدريد، تمكن الحزب اليمينى المتطرف "إسبانيا 2000 " من الفوز، لأول مرة بمقعد مستشار فى بلدية ألكالا دى هنارس.
سنتياجو اباسكال زعيم حزب فوكس الاسبانى
وتمكنت الأحزاب اليمينة من تحقيق هذه النتائج من خلال حملات عنصرية كانت تشنها ضد المهاجرين، معتبرة إياهم السبب فى المشاكل الاقتصادية التى تعرفها إسبانيا، وأن طردهم الحل الأمثل للقضاء على البطالة، التى بلغت فى إسبانيا مستويات قياسية فى السنوات الأخيرة.
ووفقا لاستطلاع الرأى الذى نشرته صحيفة "الموندو" الإسبانية فإن رئيس الوزراء بيدرو سانتشيز لن يستطيع البقاء فى الحكم، وذلك بعد الفوز الذى حققه حزب فوكس فى الاندلس، حتى لو أن حتى لو ان حزبه الاشتراكى الإسبانى تصدر نتائج الاستطلاع بحصوله على 22.6% من الأصوات، أى أقل بأربع نقاط من ال 26.3%.
ولا يمنح هذا الاستطلاع الاشتراكيين سوى 92 الى 96 من المقاعد الـ 350 فى مجلس النواب، ولن يتمكن سانتشيز من تشكيل أكثرية حتى مع أصوات حزب بودييموس اليسارى والاحزاب القومية الكتالونية والباسكية، وهى لا يتوقع أن تؤمن سوية سوى 167 مقعدا، فيما الاكثرية الضرورية 176.
ويمكن أن يحصل الحزب الشعبى (يمينى) على 19.2% يليه ليبراليو ثيودادانوس الذين يمكن ان يحصلوا على 8.8%.، كما أفاد الاستطلاع أن "اذا جمع الحزب الشعبى وثيودادانوس وفوكس قواها، يمكن ان تحصل على أكثرية مطلقة فى الكونجرس مع 189 مقعدا".
وحذر سانتشيز ،الاشتراكيين فى أوروبا من تصاعد اليمين المتطرف، مشددا على "ضرورة اتخاذ إجراءات ضد صعود اليمين المتطرف فى أوروبا"، موضحا أن "الإجراءات المتخذة ضد اليمين المتطرف فى أوروبا غير كافيه بطبيعتها الحالية"، مشيرا إلى أنه "لا ينبغى أن نقف مكتوفى الأيدى تجاه اليمين المتطرف".
وفى السياق نفسه فقد عبر عدد من المنظمات غير الحكومية فى إسبانيا، من بينها "إس أو إس" ، عن قلقها من تقدم اليمين المتطرف والأحزاب المعادية للأجانب وذلك بعد صعود فوكس فى انتخابات اندلوسيا، وقالت إن سبب صعود تلك الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى الأخطاء السياسية والازمة التى تواجه إسبانيا مثل استقلال كتالونيا.
وعبرت المنظمة عن قلقها أيضا من تصاعد وجود حزب وصفته بالفاشى والعنصرى، وأعلنت المنظمة أنها ستقوم بتحليل كل التحركات السياسية التى يمكن أن تتناقض مع المساواة فى الحقوق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة