لم يشهد التاريخ الإسلامى على مر تاريخه مع الدول المتتابعة، جدلاً أكثر مما شهدته حقبة الدولة العثمانية، التى يصفها الأغلبية بأنها "دولة احتلال وليس فتحًا" كما وصم حكامها بالطغاة والسفاحين، أكثر من أى دولة أخرى فى التاريخ الإسلامى، لكننا نجد على الجانب الآخر من لا يزال يبكى على سقوط آخر الإمبراطوريات الإسلامية، ويمجد فيها بل يصفها بدولة الخلافة الإسلامية.
السلطان عبد الحميد الثانى، الذى يعرف بأنه خليفة المسلمين الثانى بعد المائة والسلطان الرابع والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية، والسادس والعشرون من سلاطين آل عثمان، والذى تحل اليوم ذكرى رحيله الواحد بعد المائة إذ رحل فى 10 فبراير من عام 1918، عن عمر يناهز 75 عامًا، ربما هو الآخر، سيرته مثيرة للجدل، تمامًا كما هو الحال مع سيرة حقبة الدولة العثمانية، وما فعله آل عثمان بدولة الإسلام.
النقاش حول صورة السلطان عبد الحميد الثانى، يبدو متناقضا تمامًا، فالبعض يرونه فاسدًا مستبدًا، بينما يذهب بعض الإسلاميين المعاصرين للسلطان عبد الحميد إلى أنه كان مصلحًا عادلاً، حكم دولة مترامية الأطراف متعددة الأعراق بدهاء وذكاء ووقف ضد الأطماع الاستعمارية الغربية لاقتسام الدولة، بل ويرى البعض منهم أنه أول من حارب الاستعمار، ووقف فى وجه الحلم اليهودى فى إقامة وطنهم فى أرض فلسطين العربية.
والسلطان العثمانى الراحل تولى السلطنة العثمانية عام 1876، فى عهد يعانى مشاكل داخلية كثيرة، فضلاً على أطماع خارجية متربصة بإمبراطوريته الآيلة للسقوط.
لكن الشىء الوحيد الذى لن يٌغفر لهذا الحاكم، مهما حاول البعض إخلاء مسئوليته عنه أو التخفيف من وطأته هو مذبحة الأرمن، والتى حدثت فى عهد السلطان عبد الحميد الثانى، إذ ادعت الدولة العثمانية أن روسيا قامت بإثارة الأرمن الروس المقيمين قرب الحدود الروسية العثمانية، وزعمت أن هذه الجماعات حاولت اغتيال السلطان عام 1905م، وقامت على إثر ذلك، الدولة التركية بتهجير عدد كبير منهم بين عامى 1915-1917، وصل لنحو 600 ألف أرمنى لتبعدهم عن الحدود الروسية وتقطع عليهم الدعم الروسى وتم التهجير والترحيل القسرى بطرق بدائية جدا فمات من هؤلاء عدد كبير، وارتكبت الدولة العثمانية مجازر بحق الأرمن وقامت بإعدام المثقفين والسياسيين الأرمن والتحريض ضدهم، ويقدر الباحثون أعداد ضحايا الأرمن بين مليون و1.5 مليون شخص.
ولعل ما يثبت استبدادية عبد الحميد الثانى، هى نظرة الرئيس التركى الحالى رجب طيب أردوغان، وهو ما يظهر خلال ما صرح به أردوغان نفسه، فى الذكرى المئوية لوفاة عبد الحميد "إن الجمهورية التركية الحالية هى استمرار للإمبراطورية العثمانية" وانتقد من يحاولون وضع حدود فاصلة بين الدولة العثمانية والجمهورية التركية الحالية، وفى الوقت نفسه أعلن وزير الخارجية التركى مولود تشاويش أوغلو أن الحكومة التركية ستمنح الجنسية التركية لأحفاد السلطان العثمانى عبد الحميد الثانى المقيمين فى الخارج، كما عرض التلفزيون التركى الرسمى قبل أشهر قليلة مسلسلا يحمل عنوان "عاصمة عبد الحميد" تناول حياته بمزيد من التمجيد والثناء وبدعم مباشر من الرئيس أردوغان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة