ماهر المهدى

نجاح مصرى فى أفريقيا

الإثنين، 11 فبراير 2019 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن الحياة تحب الإقدام وتؤثره على الارتباط الشديد بالمكان، كما تفضل الحياة شجاعة، التوكل على الله وجسرة المتوكلين الجادين الذين لا يحلمون فقط، ولكن يشحذون هممهم وخواطرهم بأحلامهم، ويؤهلون أنفسهم وعقولهم للتحرك والسعى، كيما يساعدهم الله ويشد من أزرهم ويحقق لهم ما يريدون من خير لأنفسهم ولمن يعولون ولمن حولهم. وقد بدأ س حياته موظفا فى مصر بعد أن تخرج فى إحدى الكليات العملية، مثله فى ذلك مثل شباب كثيرين فى بداياتهم. وبعد تريث وتفكير أيقن س أن باب الوظيفة الذى دخله بعد تخرجه قد لا يقوده إلى تحقيق ما يصبو إليه من أحلام، بل قد لا يحقق س من أحلامه إلا النذر اليسير إذا كان مصيره البقاء فى تلك الوظيفة. هكذا فكر س وهو يتناول غذاءه البسيط عقب صلاة العصر، وقد أسند ظهره إلى حائط البيت، كأنما يسند أمره الى الله. فالله هو الملاذ الأول والأخير، وهو سند المستجير ونجدة الملهوف وغوث الباحث عن الطريق .
 
رغم اجتهاد س فى عمله، ورغم حرصه على دخله المحدود إلا أنه لم يدخر كثيرا مما قد يعينه على الحياة وعلى صعابها المتكاثرة حوله يوما بعد يوم. ولكن س لم يتقاعص يوما فى عمله الذى أحبه وصار يتقن فيه شيئا كل يوم، حتى بات صاحب خبرة جيدة فى مجاله. وقد أحب الناس س لطيبته ولطف طبعه واستعداده للعمل ولمساعدة الغير كلما دعا إلى عمل أو مساعدة مطلوبة. وحمد س ربه على النعمة وعلى حب الناس وتقديرهم له ولعمله .
 
صار هم س فى حياته أن يطور نفسه وقدراته المهنية باستمرار، فقد علم أن الله يحب المجتهدين ويحب المتقنين لعملهم. وأسر س لنفسه: لئن لم أنل من أحلامى شيئا سوى رضا الله وحب الناس وتقديرهم لعملى وخلقى، لأكونن من الشاكرين طيلة عمرى، ولله الحمد. وبينما كان س يمارس عمله المعتاد وقف رب العمل على رأسه فجأة، ليسأله فى حسم: نحتاج إلى مثل خبرتك فى بلد أفريقى كبير نؤسس فيه لعمل كبير، وقد رأيت فيك ضالتنا المنشودة لتغطية الجزء الفنى من هذا المشروع، فهل صدق تقديرى أو خاب؟
 
توقف س عن العمل لبرهة ريثما يلتقط أنفاسه ويعى ما يلقى إليه من عرض عمل فى بلد آخر ويزن الأمور خيرها وشرها، وما الشر الممكن فى عرض لعمل طيب، وإن كان بعيدا بعيدا وراء الجبال والبحار وبعيدا عن الأرض والأهل والصحاب والجيرة؟ لا شر البتة فى ذلك. هكذا رد س على نفسه مطمئنا حاله، بينما صاحب العمل يقف قبالة س محملقا متوقعا لجواب ما .
 
لم يغب س كثيرا عن صاحب العمل الجاد، حتى نطق مستفسرا: ومتى تريدنى أن أبدا أو أسافر إلى ذلك البلد؟ لم يسال س عن الراتب مقدما، فقد كان ذكيا ماهرا بالسليقة، وكان خلوقا خجولا، فترك مسألة المقابل المادى لصاحب العمل وللغد الآتى ليقررا ما سيكون ويرياه ما قدر له أن يراه أو يعيشه ربما فى بلد غريب بعيد. وقد سر صاحب العمل الجاد بإجابة س وتهللت أساريره كثيرا، وراح يربت على كتف
س ويقدر له رده الحاسم المفيد قائلا: لقد أحسنت الرد وصدقت حدسى فيك، فأنت شاب طيب مجتهد وذكى، ولا يمكن لك أن تدير ظهرك لفرصة قد تكون غالية .
 
غادر س مصر على ظهر الطائرة المتجهة إلى البلد الأفريقى الطيب الكبير البعيد، محملا بقليل مما يملك من الملبس والمال وبعض الكتب المهنية التى تتعلق بعمله. فلم يكد س يصل الى اليلد البعيد حتى أحب جوها وناسها، وأحس أن الله يريد أن يكافئه على طيب خلقه واتقانه لعمله. انكفأ س على مهامه الجديدة بتفان وإخلاص، ولم يدع سبيلا إلى تحسين عمله وتعظيم نتائجه حتى تعلمه وأتقنه. وسارت نتائج عمل س فى البلد الغريب متصاعدة الجودة مستحقة للشكر والثناء من قادة العمل ومن صاحبه، على حد سواء .
 
وفوجئ س براتب مجز بالدولار الأمريكى الذى لم يره ولم يلمسه من قبل، فارتبكت ملامحه فرحة وحبورا وسعد يوم تسلم راتبه كثيرا وسعدت معه زوجته الطيبة واستبشرا خيرا .
 
مضت سنوات عدة على عمل س فى البلد الأفريقى الطيب الكبير، حتى تغيرت ظروف العمل فجأة، فاضطر صاحب العمل إلى إغلاق مشروعه والرحيل إلى بلد أفريقى آخر. ومرة أخرى يصيب ظن صاحب العمل فى س وفى رجاحة عقله. فلم يرفض س الرحيل مع رب عمله إلى بلد آخر ليبدآ مشروعا جديدا هناك، حيث تعاضد الظروف رجال الأعمال وتساندهم وتدر عليهم أرباحا جيدة. واليوم لم يعد س بعمل لدى أحد قط، فقد استقل بعمل خاص بعد سنوات أخرى من العمل لدى رب عمله فى البلد الأفريقى الجديد. فلم يمانع رب العمل فى أن يصبح س هو صاحب عمل بعد سنوات قد تصل إلى خمسة عشر عاما متصلة من الخدمة المخلصة. وسار س الآن أحد رجال الأعمال المصريين الناجحين فى الخارج، والذين يواصلون النجاح كل يوم، حتى ولو كانوا فى بلد أفريقى بعيد وليسوا فى أوروبا ولا فى الخليج العربى ولا فى أمريكا الشمالية.. حفظ الله مصر ووفق رئيسها إلى الخير .






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة