مفارقة جد محزنة، فى بلد ترتجى قرض الصندوق، وتجتهد فى خدمة الدين، وتراجع مديونياتها الخارجية، التى تربو على 90 مليار دولار، وتخطط للجم الدين الحكومى، تظهر البيانات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ما هو مستغرب، تخيل قيمة واردات مصر من التليفونات والهواتف المحمولة، بلغت 1.181 مليار دولار خلال الـ9 أشهر الأولى من عام 2018!
عجيب وغريب، قائمة الواردات المصرية من التليفونات والهواتف المحمولة، اشتملت على استيراد أجهزة هاتف، وتليفونات سلكية بسماعات يد، وتليفونات أخرى، بنحو 247.787 مليون دولار، واستيراد هواتف محمولة مزودة بخاصية جى بى إس بقيمة 292.566 مليون دولار، هذا بالإضافة إلى استيراد هواتف محمولة وأخرى لاسلكية بقيمة 416.055 مليون دولار.
أرقام لا يحتملها اقتصاد منهك، اقتصاد يتعافى من عملية قلب مفتوح، اقتصاد يعتصر نفسه محاولًا الخروج من عنق الزجاجة، هذا السفه الاستيرادى لا يحدث فى أقوى الاقتصاديات العالمية، نستورد بمليار دولار أجهزة محمول ولوازمه، «خد من التل يختل»، ولو كان الاقتصاد المصرى جبلا لاختل فى مواجهة هذه السعرة الاستيرادية «من السعار».
غير متصور أن تظل الشهية الاستيرادية للسلع الترفيهية مفتوحة هكذا، ترشيد الاستيراد كسياسة متبعة لتؤتى ثمارها حتما ولابد من ترشيد هذا السفه، لايكفى رفع سعر الدولار الجمركى على مثل هذه السلع الترفيهية إلى 17.90 جنيه بدلا من 16 جنيها، يستوجب أحكام الباب على استيراد هذه السلع، مصر متخمة بأجهزة الهاتف المحمول، بتشكيلاتها وأسعارها التى سجلت بعض ماركاتها أرقاما محل استغراب مجتمعى، تخيل فى مصر طوابير حجز على الهواتف المحمولة!
ولتتوفر مراكز الأبحاث الاجتماعية على دراسة السلوك الجمعى المصرى تجاه الاستخدامات المباشرة للمحمول، البيت الواحد فى مصر متوسطه بالملاحظة أربعة أجهزة محمول أو أكثر، وهناك من يحمل جهازين أو ثلاثة دون ضرورات عملية، وعدد الخطوط المصرح بها جاوزت المائة مليون خط، بمعدل خط لكل مواطن، تجاوزا يطلق علينا بلد المليون محمول، معقول هذا الذى يحدث، ولسه فينا حيل للاستيراد بكلفة مليار دولار سنويا!
السفه الاستيرادى بلغ مبلغًا ينذر بالخراب الاقتصادى، «اللى تجمعه النملة فى سنة ياخده الجمل فى خُفه»، حاصل جمع مدخلات قناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين فى الخارج من العملة الصعبة تستنزفها أبواب الاستيراد السفيه المفتوحة عن آخرها.
طبيعى نستورد «قمح وزيت وأرز» وخلافه بمليارات الدولارات لسد حاجات الشعب الغذائية، ولكن نستورد محمول بمليار دولار فى 9 أشهر ليه وعلشان إيه، علشان نتكلم فى الفاضى والمليان، ونستعرض بأحدث الماركات على الكافيهات والدفيليهات، ونشيت ونتوت ونغرد ونحن جلوس على المقاهى فى بحبوحة من العيش والوقت، الكلام يا سادة بفلوس، وفلوس كتيرة قوى، أرباح شركات المحمول مليارات من «قفا الغلابة»، ولكن على قلبهم زى العسل، ويتشكون من الأسعار، يدفعون فى المحمول راضين ويتشكون من فواتير الكهرباء.
مفارقة جديرة بالتوقف والتبين، سلوك المستوردين المصريين خارج نطاق الأزمة الاقتصادية تمامًا، هم فى وادٍ، والبلد فى واد، الأرباح تقوى القلب على الغلابة، وعلى الحكومة، وعلى مستقبل هذا البلد، لجم السفه الاستيرادى مستوجب على حكومة متقشفة ومنشفاها علينا، أقفل الباب اللى ييحى منه الريح تنهب المدخرات، يستريح الاقتصاد المتعب، ليس هكذا تورد يا معيط الإبل!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة