لم تكن شهادة مراسل «بى بى سى» حول فبركة الهيئة البريطانية لأدلة الكيماوى فى الغوطة إبريل الماضى هى وحدها التى تكشف عن وجود تعمد للتزييف وليس مجرد خطأ، والدليل كما ساقه الروس أن بريطانيا كانت أكثر دول الناتو تحمسا لضرب سوريا، بما يعنى أن تقرير «بى بى سى» مصنوع بوعى وتعمد لتقديم أدلة، وبالفعل فإن تريزا ماى رئيسة الوزراء البريطانية كانت أكثر زعماء الناتو اندفاعا لضرب سوريا قبل انتظار نتائج أى تحقيقات دولية، وهو ما أشار إليه مراسل «بى بى سى» ريام دالاتى فى تغريداته التى أعلن فيها أنه بعد تحقيق لمدة ستة أشهر اكتشف أن مشاهد الضحايا فى فيلم «بى بى سى» مفبركة، وقال ديلاتى إن دولة أخرى غير روسيا كانت تعرف أن هذه الأدلة مفبركة ربما فى إشارة إلى بريطانيا.
وربما يكون تورط فرد فى فبركة موضوع أو تحقيق خطأ، لكن تكرار ارتباط المنصات الإعلامية الكبرى بالفبركة خاصة فى القضايا الدولية الكبرى ينسف الكثير من الادعاءات عن مهنية هذه المنصات وخطاباتها المثالية حول الموضوعية.
وما تزال قضية تورط منصات كبرى فى ترويج معلومات تافهة حول أسلحة الدمار الشامل فى العراق قائمة، وقد اعترف بذلك ديد تشينى نائب الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش، ويروى كولن ياول فى مذكراته أنه قال إن الأدلة غير واضحة وإنه كان يشعر بالعار وهو يتحدث أمام مجلس الأمن حول أدلة يعرف أنها مزيفة.
اللافت للنظر أن لندن كانت دائما فى مقدمة الداعمين لأى عملية غزو أو إسقاط لأنظمة إقليمية، ودائما كانت لدى بريطانيا تقارير جاهزة حتى لو كانت تخلو من الأدلة تستند إليها، مثلما جرى مع فيلم «بى بى سى» رئيسة وزراء بريطانيا تريزا ماى على نهج سابقيها من رؤساء الوزراء البريطانيين، الذين ساهموا بنصيب وافر فى كل الغزوات بالمنطقة العربية.
بريطانيا كانت على رأس قوات غزو العراق، وكان رئيس الوزراء البريطانى الأسبق تونى بلير أهم شركاء جورج دبليو بوش فى غزو العراق، بلير اعترف بأن غزو العراق تم بناء على معلومات استخبارية خاطئة، وفى 15 أكتوبر 2015 اعترف لـ«سى إن إن» أن الغزو كان سببا رئيسيا فى ظهور داعش واتساع الإرهاب والتنظيمات الإرهابية.
كما اعترف ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطانى السابق، بأخطاء الناتو فى تدمير ليبيا وتسليمها للفوضى والإرهاب وداعش.
واليوم تأتى شهادة منتج ومراسل «بى بى سى» حول فبركة الهيئة البريطانية لفيلم الكيماوى، لتنضم إلى شهادات سابقة لمنظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان السويدية التى كشفت عن ضلوع منظمة الخوذات البيضاء فى تمثيل وفبركة صور وأفلام حول الكيماوى فى سوريا كانت سببا لتدخلات سمحت بنمو وتوسع التنظيمات الإرهابية على أراضى سوريا والعراق، وهذه المؤشرات تقدم مؤشرات على شكل السياسة الدولية التى تقوم بالأساس على مدى النجاح فى تسويق السياسات وبيع أدلة الصراع على مستوى دولى حتى لو كان ذلك عن طريق تزييف الأدلة والتلاعب فى الكلمات والصور.
يقول جون بلجر، الصحفى المخضرم والمراسل الحربى ومخرج الوثائقيات الأسترالى الأصل: «هناك رقابة غير مرئية تعيد تشكيل الإعلام الغربى لصالح السياسة والتوسع والتلاعب»، ويكشف بلجر فى كتابه «الحرية فى المرة القادمة»، كيف يمارس الإعلام الغربى بأغلبيته لعبة التهميش والإبراز، يضخم من أقل تهديد لأمنه، ويتجاهل عشرات الآلاف من الضحايا خارج أوروبا، حتى فى تغيير الأسماء والمصطلحات فأعضاء داعش مسلحون أو متمردون فى تعبيرات منصات إعلام الغرب لكنهم يحصلون على اسم إرهابى إذا تعلق الأمر بهجوم فى أوروبا، وحتى التقارير الحقوقية يتم توظيفها سياسيا وبالطلب إذا لزم الأمر. وبعض المنظمات تصدر تقارير لصالح من يدفع أو ضد صوم الممولين وهى لعبة تبدو مكشوفة فى ظل اتساع أدوات التواصل وتقنيات كشف الفبركة، لكن فى كثير من الأحيان يتم كشف التزييف والفبركة بعد فوات الآوان مثلما جرى مع سوريا مرتين واحدة عام 2016 وتم على أثرها قصف سوريا بصواريخ، والثانية إبريل الماضى حيث تقرير «بى بى سى» المفبرك، حيث تم قصف مواقع سورية بالطائرات، الأمر الذى يكشف عن حجم التحالف بين أجهزة تدفع للحرب ومنصات إعلامية تقود الدعاية بأفلام وصور مزيفة، فيما يبدو نوعا من تحالف بين سماسرة الدعاية وسماسرة الحرب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة