هل تتفق معى عزيزى القارئ أن دورات التنمية البشرية التى من المفترض أنها شىء نافع ومفيد للفرد وبالتالى للمجتمع قد تحولت فى السنوات الأخيرة إلى عملية تجارية رابحة، وموضة من موضات العصر يتسارع الكثيرون ليشاركوا بها كى يكونوا مواكبين لتطورات ومستلزمات العصر الحديث، متغاضين عن التدقيق والتحقق من هوية وكفاءة هذا المدرب الذى يعبث بحالاتهم النفسية ويتلاعب بمشاعرهم واحتياجاتهم الاجتماعية والإنسانية كيفما يشاء!.
بداية أود أن أسجل موقفى تجاه موضوع التنمية البشرية بشكل عام ومدى أهميتها للفرد وللمجتمع، فهى بحق مهمة لتنمية قدرات الفرد الذاتية ورفع كفاءته العقلية والعلمية والاجتماعية والإنسانية، ومساعدة كل من يحتاج لتعزيز قدراته المهنية وزيادة ثقته بنفسه ومساعدته على التكيف والتواصل الاجتماعى إن كان غير قادر على هذا التكيف وتغيير بعض عاداته السلبية وشحنه بالطاقة الإيجابية التى تدفعه للانطلاق واختيار الطريق الذى يناسبه بالشكل المناسب اللائق.
أى أن التنمية البشرية تهدف لرفع كفاءة وتعزيز القدرات الذاتية لدى الشخص السوى، الذى يمتلك هذه القدرات لكنه غير قادر على استغلالها وتوظيفها بالشكل الصحيح لأسباب غير مرضية تتطلب بعض الدفع والمساندة، لكن لا ينطبق هذا التوصيف على الشخص الذى يعانى المرض النفسى، ففى هذه الحالة لا يلزمه مدرب التنمية البشرية بل الطبيب أو المعالج النفسى.
ولكن ما يحدث بالمجتمع الآن من عشوائية فى انتشار مراكز التنمية البشرية التى تعلن عن نفسها فى فرصة ذهبية لن تعوض وعرض محدود لأسعار الكورسات مع بعض الإغراءات بتغير حياة هذا الزبون (المتدرب) تغيراً جذريا، حيث تتحقق الأحلام وتنفتح الأبواب المغلقة وتتهافت الفرص عليه ليفوز بإحداها - إلى آخره من شعارات الوهم والإيحاء الذى يتلاعب هؤلاء به ليستغلون حاجة الشباب المحبط الذى قد يعانى البطالة وانعدام تكافؤ الفرص والواسطة وخلافه من المشاكل الاجتماعية - بجانب سوء الأحوال الاقتصادية الذى يدفع هؤلاء لليأس والإحباط، ويجعل من هذا الإعلان المنتشر هنا وهناك القشة التى يرى بها هذا الغريق منقذاً ليتعلق به!.
وفى غالبية الأحوال يقع هذا المسكين فريسة لشخص غير مؤهل تماما حاصل على لقب مدرب تنمية بشرية بدراسة كورس مدته (36 ساعة) ثلاثة أيام فقط لا غير حسب إعلانات إعداد المدربين المعتمدين تحت رعاية جامعة حكومية عريقة، لا أعلم إن كانت الجامعة قد سمحت لهؤلاء باستغلال اسمها فى هذه المهزلة أم أنها عملية نصب على جميع المستويات؟
ثم تستمر عملية التلاعب بالإيهام الذى يتخطى حدود الواقع ويرفع بشكل مبالغ فيه من سقف طموحات هؤلاء المخدوعين، ويفرش لهم الطريق بالورود ليتصور كل منهم أنه سينتهى من الكورس متجاوزاً كل العقبات منتهياً من كل المشكلات، متحولاً لشخص آخر ناجح متحقق ليفاجأ هذا المسكين بالواقع مرة أخرى، ويكتشف أن هناك من أوهمه بما لا طاقة له به، فينتكس انتكاسة أشد قسوة مما كان عليه وكان يسعى للخلاص منه!، وربما يعود مرة أخرى للبحث عن هذا الذى يبيع له الوهم ويحمل عنه أعباءه ومسببات إحباطه ولو بشكل مؤقت كالمسكن الذى لا يعالج ولا يشفى، كنوع من أنواع الهروب من الواقع الغير سعيد بالنسبة له!.
فى حين أن علوم التنمية البشرية هى أى علم يدرسه الإنسان لرفع كفاءته العلمية أو العقلية أو الاجتماعية أو الروحية، أى تطوير قدراته الذاتية التى يمتلكها بالفعل ليس تحميله ما يفوق قدراته الحقيقية .
فعلى سبيل المثال: من يدرس لغة جديدة أو يتلقى دورة تدريبية أو دراسة إضافية فى مجال تخصصه ليرفع بها من قدراته المهنية والمعرفية فهذا يعد تنمية بشرية .
نهاية.. أدعو وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالى لدراسة وضع علوم التنمية البشرية المتعددة بمراحل الدراسة المختلفة المدرسية والجامعية كما يحدث بدول العالم المتقدم، ليكون لها مركزية وجهة علمية رسمية موثوق بها وإدراجها بالشهادات الجامعية، لتكون متاحة للدراسة المستفيضة ويكون هناك متخصصون مؤهلون بعلوم التنمية البشرية بحق وبشهادة تعليمية ذات ثقة ومصداقية، لنقضى تماما على عمليات النصب والاستغلال الواسعة التى يحترفها الكثيرون تحت مسمى التنمية البشرية .