الأسعار الفلكية للكتب المطبوعة فى دور النشر العربية من الخليج إلى المحيط، والصعوبات الكثيرة أمام الكتاب والمبدعين فى سوق النشر، تجعلنا نقدم تحية كبيرة لقلعة النشر فى مصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب التى تقدم بحق صناعة ثقافية من النوع الثقيل، بإصداراتها المتنوعة بين السلاسل المتخصصة والنشر العام والدوريات المتخصصة، مع التحسن الكبير الذى طرأ على نوعية الورق وتصميم الأغلفة، والإصرار على الاحتفاظ بحد أقصى لسعرالكتاب، لتظل تقدم أفضل الإصدارات بأرخص الأسعار.
بعد جولات صبورة بين دور النشر العربية فى معرض الكتاب الأخير، والمقارنة بين الإصدارات المعروضة وتنوعها وأسعارها وبين إصدارات الهيئة العامة للكتاب، أجد من الضرورى كتابة هذه السطور، لنسبة الفضل لأهله، وأعنى بهم هنا القائمين على النشر فى هيئة الكتاب هيثم الحاج على وسهير المصادفة وفريقهما المعاون، فهم يعملون بصمت وينتجون مجموعات من السلاسل والإصدارات الفكرية والتاريخية والعلمية والأدبية بغزارة كبيرة وبجودة عالية، ووفق إحصائية أولية عن هيئة الكتاب وصل عدد العناوين الصادرة خلال العام الماضى نحو 655 إصدارا، أى بمعدل كتابين يوميا، وهو معدل فى النشر غير موجود فيما أعرف بين دور النشر العربية أجمع.
أما عن نوعية الإصدارات وقيمتها، أود أن أتناول سلسلتين فقط من السلاسل العديدة التى تصدرها هيئة الكتاب، الأولى هى سلسلة تاريخ المصريين التى أسسها العلامة الراحل يونان لبيب رزق، واستمرت الهيئة فى إصدارها من بعده باختيارات دقيقة ومتنوعة، والسلسلة الثانية فهى سلسلة الجوائز المعنية بنشر عيون الأدب العالمى لكبار المبدعين الحائزين على جوائز عالمية رفيعة، وقدمت من خلالها أعمالا متنوعة من الشرق والغرب مع تسليط الضوء على مبدعى الجنوب من أفريقيا إلى أمريكا اللاتينية وآسيا، وعدم التركيز على إبداعات الغرب فقط.
فى سلسلة تاريخ المصريين إصدارات شديدة التنوع والغنى لابد من اقتنائها وقراءتها، ومنها على سبيل المثال «الدخان والمجتمع المصرى فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر» للدكتورة هيام صابر، و«الولايات المتحدة الأمريكية والصراع المصرى الإسرائيلى «1967 - 1979» للدكتورة إنجى محمد جنيدى، و«الدين والدولة فى مصر فى عصردولة المماليك البحرية» للدكتورة نجوان أحمد سعيد والكتاب المكمل له حول الدور السياسى للمصريين خلال دولة المماليك البحرية للدكتورة نسرين مصطفى محمد، والملاحظ فى هذه السلسلة الثرية أنها شديدة التنوع وتغطى مناطق مجهولة فى التاريخ المصرى قديما وحديثا، أو تصحح صورا مغلوطة عن تلك الحقب من تاريخ المصريين، نظرا لأن ما وصلنا عنها لم يكن إلا نتاج عمل الغزاة المستعمرين وأتباعهم من المستشرقين، ومن ثم فهى توفر معرفة فارقة وتنويرا حقيقيا لكل فئات المتعلمين المصريين والقراء الشغوفين بالتاريخ وبأسعار زهيدة.
أما سلسلة الجوائز فيكفى أن نرصد بعضا من عناوينها مثل رواية «بلد النساء» لشاعرة نيكاراجوا جيوكوندا بيللى، ورواية «ثمة ما أقول لكم» للباكستانى حنيف قريشى، ورواية «نوتردام النيل»، للكاتبة الرواندية سكولاستيك موكاسونجا ورواية «فوس» للأسترالى حائز نوبل باتريك وايت ورواية «تنفس صناعى» للأرجنتينى ريكاردو بيلجا و«مؤامرة مهرجين» للمصرى الكاتب بالفرنسية ألبير قصيرى، وغيرها كثير من عيون الآداب الشرقية والجنوبية.
لكن تبقى ملاحظة جوهرية فيما يتعلق بإصدار الهيئة العامة للكتاب، أنها لا تلقى الدعم الإعلامى أو العرض الذى تستحقه، لأسباب عديدة، منها عدم تنظيم حفلات توقيع للأعمال المهمة أو غياب التواصل المناسب مع المحررين المعنيين بالثقافة والنشر فى الصحف والمواقع أو فتور الحماسة لدى القائمين على المركز الإعلامى بالهيئة، إلا أن هذه الملاحظات لا تقلل من الجهد المبذول، لأننا فى النهاية أمام إصدارات قيمة ومتنوعة ومتاحة فى منافذ الهيئة من الإسكندرية إلى أسوان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة