اعتبرها إدوارد سعيد رمز من رموز الثقافة والنهضة وقال عنها عبدالوهاب: ظاهرة وطنية ووصفتها أم كلثوم بأنها تغنى بوسطها
- حكايات تل كاريوكا و السيد البدوى والسيدة نفيسة وعنبر 21 بالقصر العينى ومواقفها مع العمال والأطفال
- هربت من عذاب شقيقها حافية من الاسماعيلية إلى القاهرة وصعدت أعلى درجات سلم المجد وانتهت حياتها طريدة بعد الاستيلاء على شقتها
ليست مجرد راقصة ولا يمكن اختصار حياتها بما تحمله من مواقف وأحداث وأحزان وثورات ومجد وانتصارات وانكسارات فى سيرة حياة فنانة رغم كل قدراتها الفنية، امرأة بألف وجه، تحمل سحر الكون وجمال الدنيا، تأسر قلوب الرجال ورغم ذلك لم يتحمل أى منهم قوة شخصيتها، جعلت من الرقص فنا راقيا، وحين اعتزلته أبدعت كممثلة يمكنها أداء كل الأدوار. حرة متمردة مقاومة لكل أشكال الظلم، ثائرة عصبية مثل بحر هادر يحمل فى قلبه كنوز اللؤلؤ والمرجان، تقية ورعة عابدة زاهدة متصدقة متصالحة مع نفسها ومع كل مرحلة من مراحل عمرها. مائة عام مرت على ميلاد بدوية تحية محمد على النيدانى المولودة فى 22 فبراير عام 1919، والتى أصبحت فيما بعد هذا التاريخ بسنوات تحية كاريوكا، التى سحرت القلوب والعقول وكتب عنها كبار المفكرين والأدباء ومنهم إدوارد سعيد وجلال أمين وعلى ومصطفى أمين وصالح مرسى وسلامة موسى وعباس العقاد وإحسان عبدالقدوس. واعتبرها الكثيرون رمزا لفن الرقص الشرقى، فقال عنها إدوارد سعيد أنها رمز بارز من رموز الثقافة الوطنيّة مثل أم كلثوم، واجتمع الرمزان فى حفل عرس الملك فاروق ورقصت تحية على صوت أم كلثوم وهى تشدو «غنيلى شوى شوى»، فقالت كوكب الشرق لكاريوكا: «انتى بتغنى بوسطك ياتحية».
ميلاد بدوية
حملت الطفلة بدوية قبل أن تولد جينات النضال السياسى التى لازمتها طوال حياتها من عائلتها، حيث سبق واعتقل والدها البحار التاجر المعلم محمد على النيدانى الذى ينتمى لعائلة تقيم فى الإسماعيلية وقتلت قوات الاحتلال البريطانى شقيقه حسن النيدانى الذى كان يختطف الجنود الإنجليز ويقتلهم، كما ذكر الكاتب صالح مرسى فى مذكرات كاريوكا التى جمعها الكاتب الصحفى محمد توفيق.
تزوج والد تحية من 6 سيدات قبل أن يتزوج والدتها فاطمة الزهراء التى تنتمى إلى عائلة الزينى بالمنزلة، وكانت والدة تحية أرملة شابة فى العشرين مات زوجها وهى فى سن الخامسة عشر، وترك لها طفلة اسمها فاطمة النبوية، والدة الفنانة رجاء الجداوى، وتزوجت الأرملة الشابة من محمد على النيدانى وأنجبت منه تحية، وكان تعدد زوجات النيدانى بسبب موت زوجاته السابقات فيما عدا زوجته الأولى بعد شهور من الزواج لتترك كلا منهن طفلا أو عدد من الأطفال حتى وصل عدد أبنائه قبل تحية 8 أبناء وبنات.
ورغم فارق السن بين الأم العشرينية والأب الستينى إلا أن والدة تحية أحبت زوجها النيدانى وبادلها حبا بحب، ولكنها عانت من كراهية أبنائه الذين كان بعضهم يكبر الزوجة الشابة وامتدت هذه الكراهية لابنتها تحية التى تحمل الكثير من صفات أبيها وملامحه.
ورغم أن الأب كان يتمنى ذكرا يطلق عليه اسم السيد البدوى فرح بميلاد طفلته وأطلق عليها اسم بدوية تحية، وتشبعت الصغيرة فى سنواتها الأولى بحب والدها ووالدتها قبل أن يتوفى والدها ويتركها فى سن الرابعة لتبدأ بعدها رحلة عذاب على يد شقيقها الكبير أحمد، بينما عاملها شقيقها مرسى معاملة الابنة وألحقها مع أولاده بمدرسة «السبع بنات»، ولكن أحمد أجبرها أن تترك المدرسة بعد أن عاشت معه ومع زوجته وأبنائه كخادمة وحرمها من رؤية أمها التى غادرت إلى بيت أسرتها بالمنزلة فكانت تراها خلسة فى زيارات خاطفة.
البداية هربانة حافية
فى سن الحادية عشرة كتب القدر أن تحضر الطفلة بدوية أحد الأفراح فى الإسماعيلية، وكانت تحييها الراقصة سعاد محاسن وفى هذا الفرح رقصت تحية بين السيدات وشاهدتها محاسن، وأعجبت بها وتبادلت معها الحديث ضاحكة «تيجى معايا شارع عماد الدين فى مصر»، ولكن فجأة ظهر شقيقها وجذبها من شعرها وضربها بالكرباج وقص شعرها وربطها بقيد حديدى فوق سطوح المنزل إلى جوار الخروف، وهربت الطفلة من بيت شقيقها أكثر من مرة إلى بيت أحد أقاربها أو أشقائها، وفى كل مرة يعيدها شقيقها إلى بيته، ويكون العقاب أكثر قسوة حتى تم تقييدها لمدة عام كامل، وترك القيد على قدمها أثرا ظل بها حتى وفاتها، وفى النهاية قرر عثمان ابن شقيقها أحمد، وكان الوحيد الذى يحنو عليها أن يحررها من الأسر، ويفك قيدها لتهرب حافية إلى مصر.
وفى أحد لقاءاتها حكت كاريوكا عن بداياتها قائلة: «كنت غاوية الرقص من صغرى، لكن لما هربت مكانش فى دماغى الرقص هربت من التعذيب، كان عندى 12 سنة، وهربت حافية من الإسماعيلية لأبو صوير وركبت القطر، وأنا مش عارفة هاروح فين ومكانش معايا فلوس، بكيت وكانت أول مرة أكذب، لأنى خفت الناس ترجعنى لأخويا، ولما الناس اتجمعوا حواليا قلتلهم باشتغل عند ناس وعذبونى وعاوزة أروح لأمى، ورغم إن اللى فى القطار كانوا كلهم ناس غلابة جمعوا من بعض تمن التذكرة، وكانت صدمتى لما وصلت شارع عماد الدين، وسألت على سعاد محاسن وعرفت إنها سافرت الإسكندرية».
وقتها لم يشأ القدر أن تتحمل الطفلة مزيدا من العذاب وبعدما جلست تبكى على الرصيف فى شارع عماد الدين، رأتها الراقصة جانيت حبيب وزوجها عازف البيانو محمد الدبس، وعرفوا قصتها واصطحبوها لمنزلهما وبعد أيام قاموا بتوصيلها لسعاد محاسن فى الإسكندرية.
«قالتلى أنا مش قد عيلتك وهاكلمهم ييجوا ياخدوكى».. هكذا قالت كايوكا وهى تتحدث فى أحد لقاءاتها عن هذه الفترة، مشيرة إلى أن محاسن تراجعت عن الفكرة، ثم عهدت بها إلى بديعة مصابنى، قائلة: «جايبة لك بنت أمانة فى رقبتك».
نجمة تسطع فى كازينو بديعة
سمعت بديعة مأساة تحية وتعاطفت معها واصطحبتها لتقيم معها فى منزلها، وكانت تصطحبها معها إلى صالتها الشهيرة التى كانت أكبر صالة للعائلات، وتضم عمالقة الطرب والرقص فى بداياتهم، ومنهم فريد الأطرش ومحمد عبدالمطلب وغيرهم، وتعلمت منها تحية الكثير عن أخلاق الفنان وقوته وكبريائه وأصول الرقص كفن وليس مجرد استعراض جسد، وكان لها دور كبير فى تشكيل شخصية تحية كاريوكا التى قالت عنها: «أشفقت بديعة كانت فنانة عظيمة، قعدتنى فى بيتها، وعلمتنى حاجت كتير، وقالت لمدرب الرقص يعمل لى رقصة مخصوص، فدربنى على رقصة الكاريوكا بعد ما شافها فى فيلم أجنبى، والجمهور انبهر بيها وأطلقوا عليا اسم كاريوكا».
حققت تحية نجاحات كبيرة فى صالة بديعة، وحازت إعجاب الجمهور حتى شاهدها توجو مزراحى وعرض عليها دورا فى فيلم الدكتور فرحات الذى عرض عام 1935، وبعدها توالت الأدوار السينمائية حتى كانت البطولة فى فيلم لعبة الست مع العملاق نجيب الريحانى، الذى قالت عنه: «كنت حاسة إنى بنت صغيرة واقفة قدام الهرم الأكبر».
وكان من بين الذين أثروا فى شخصية كاريوكا الفنان الكبير سليمان بك نجيب الذى اعتبرته أباها الوحى، واعتبرها ابنته وتولى تعليمها وتثقيفها ثقافة واسعة وعلمها الإنجليزية والفرنسية، وكيف تتعامل مع الطبقات الارستقراطية.
تزوجت تحية كاريوكا 14 مرة، وعن ذلك قالت ابنة شقيقتها الفنانة رجاء الجداوى إنها لم تكن تسمح لرجل أن يمسها إلا فى الحلال وبعقد زواج، وكان أول هذه الزيجات من أنطوان عيسى ابن شقيقة بديعة مصابنى الذى أسلم وسمى نفسه محمد المهدى، وأشارت الجداوى إلى أن خالتها حرصت على أن تتزوج لترسل قسيمة الزواج لوالدتها التى أقامت عزاء وقالت بدوية ماتت، بعدما اعتقدت أنها انحرفت فى طريق الحرام.
تعاملت كاريوكا مع الرقص كفن تحبه وتحترمه وتجدد فيه وقالت فى حوارها مع الكاتب الكبير إدوارد سعيد: «كنت باحسّ وأنا بارقص إنى فى معبد».
وقال عنها موسيقار الأجيال عبدالوهاب «تحية ظاهرة وطنية، تكمن قدرتها فى أنّها كانت تستطيع أن تعطيك كل ما عندها من فنّ وحركة بكل جسمها فى مساحة لا تزيد على متر مربع واحد، ولا تحتاج إلى جرى حول المكان رايحة جاية لتبهرك».
فيما قال عنها إدوارد سعيد إنها جزء من نهضة ثقافية كبرى، ضمّت كُتابا مثل نجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، وطه حسين، ومغنيين مثل أم كلثوم وعبدالوهاب، وممثلين مثل سليمان نجيب والريحانى.
وخصص المفكر جلال أمين فصلا عنها فى كتابه «شخصيات لها تاريخ» مؤكدا أن هناك ارتباطا وثيقا بين تاريخ تحية كاريوكا وبين تاريخ مصر.
رغم ما مرت به من آلام وعذاب وصعوبات كانت تحية كاريوكا قوية الشخصية تعتز بنفسها وكرامتها مهما كلفها هذا من ثمن، ففى بداية حياتها فى صالة بديعة جذبها أحد الأمراء من يدها فصفعته على وجهه، وبعد انتشار الخبر أصدر الملك فاروق قرارا بحظر ذهاب أى أمير إلى هذه الأماكن، وقبل هذا الموقف رأت تحية الملك فاروق مع حاشيته فى أحد الملاهى الليلية، فسلمت عليه وهمست فى أذنه بأن هذا المكان لا يليق بملك مصر والسودان وأن مكانه فى القصر، وتوقع الموجودين أن يعاقبها الملك على جرأتها ولكنه قام وانصرف بهدوء.
ومن أهم المواقف فى حياة تحية كاريوكا أنها رفضت أن ترقص أمام كمال أتاتورك خلال رحلتها إلى تركيا، بعدما أهان لسفير المصرى وعنفه وأمره بخلع طربوشه، وقالت للمتعهد: «مش هارقص قدام حد أهان سفير مصر».
وكانت كاريوكا على استعداد للتضحية بحياتها بسبب مواقفها الوطنية، فبعد شهرتها ساعدت الفدائيين على مقاومة الاحتلال الإنجليزى وهربت لهم الأسلحة فى سيارتها إلى الإسماعيلية، وقال المخرج جميل المغازى فى أحد اللقاءات، أن هناك منطقة فى الإسماعيلية معروفة باسم تل كاريوكا كانت تقوم فيها تحية بتسليم الأسلحة للفدائيين.
كما ساعدت السادات على الهرب وخبأته فى مزرعة أقاربها بالإسماعيلية، وحكت تحية عن هذه الواقعة قائلة: «أنا هربت السادات لإنهم قالوا قتلوا أمين عثمان قلت فى داهية عقبال الباقى، وقلت لهم أنا ممكن أعمل أى حاجة»، وبعد الثورة شاركت كاريوكا فى «قطار الرحمة».
تحية مناضلة حتى فى السجن
ورغم مواقفها البطولية تعرضت تحية كاريوكا للسجن عام 1953 بعد زواجها من مصطفى كمال صدقى، أحد الضباط الأحرار الذى انشق عليهم، ووجهت لها تهمة الترويج لمبادئ هدامة وتوزيع منشورات تم العثور عليها فى شقتها، وحينها قالت جملتها الشهيرة «ذهب فاروق وهايِجى بعده فواريق»، ودفعت ثمنها ما يقرب من 100 يوم فى السجن، وكان زملاؤها يقفون أمام السجن لدعمها ومساندتها والمطالبة بالإفراج عنها.
وفى أحد الأيام ذهبت خادمة تحية كاريوكا والطبال سيد كراوية مع المخرج حلمى رفلة لزيارتها، ولم يتمكنوا من الدخول فوقفوا فى الشارع أسفل نافذة زنزانتها، وناداها رفلة قائلا: «عاوزة حاجة ياتحية»، فردت: «نفسى فى الطعمية»، وسمع مسؤولو السجن هذا الحوار فظنوا أنها شفرة تستخدمها كاريوكا، وألقوا القبض على رفلة ومن معه وتم حجزهم فى الحبس لمدة 24 ساعة بتهمة الاتصال بإحدى السجينات دون تصريح من إدارة السجن.
وحتى أثناء سجنها لم تتخل تحية كاريوكا عن كبريائها ونصرتها للضعفاء، وفى كتاب المولودة تحدثت مارى إيلى روزنتال أو نائلة كامل إحدى نشاطات اليسار المصرى فى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضى فى مذكراتها عن ثلاث شخصيات أثروا فيها خلال فترة اعتقالها التى استمرت 5 سنوات، أولهم الفنانة تحية كاريوكا، فقالت إنها كانت صاحبة شخصية قوية جعلتها بمثابة رئيسة السجن، فكانت تحمى السجينات، وتهتم بتغذية الجميع، وأعلنت الغضب بداخل السجن، بسبب تردى الأوضاع وحالات التعذيب حتى زارت السجن لجنة حقوق الإنسان وتم تغيير المأمور، كما أقامت خلال فترة بقائها فى السجن نشاطا لمحو أمية السجينات.
وبعد ما يقرب من 100 يوم تم الإفراج عن تحية كاريوكا بعد اعتراف زوجها بأنها لم تكن تعلم شيئا عن المنشورات، وبعد خروجها استكملت مسيرتها فى التمثيل والتألق وجمعت التبرعات للمجهود الحربى وتبرعت بمجوهراتها، كما جمعت التبرعات للجيش بعد نكسة يونيو 1967، وكان لها دور بارز فى حرب أكتوبر سواء فى جمع التبرعات أو مع الهلال الأحمر وفى مستشفى القصر العينى، حيث أقامت لشهور بعنبر 21 لخدمة الجرحى.
وفى الثمانينات كان لها العديد من المواقف لدعم القضية الفلسطينة وكسر الحصار عن الفلسطينين.
ورغم اقترابها من سن السبعين كان لها دور كبير فى إسقاط القانون رقم 103 بعدما قادت إضراب نقابات المهن الفنية عام ضد هذا القانون وأضربت عن الطعام رغم تدهور صحتها، واتصل بها الرئيس مبارك وبالفعل تم سحب القانون.
وحش أمام الكاميرا
لم تقتصر مواهب تحية عى الرقص فقط ولكنها أبدعت فى التمثيل منذ وقفت فى أول بطولة أمام العملاق نجيب الريحانى فى فيلم لعبة الست الذى شاركت فيه بالرقص والتمثيل، وحتى بعد أن قررت اعتزال الرقص وهى فى قمة مجدها فى الثلاثينيات من عمرها تألقت فى التمثيل، وشاركت فى العديد من الأفلام التى اعتبرت علامات فى تاريخ السينما المصرية، ومنها فيلم شباب امرأة الذى كان أول فيلم مصر يشارك فى المسابقة الرسمية بمهرجان كان السينمائى، وكان مرشحا للأوسكار عام 1956، وشاركت فيه الفنانة شادية فى دور ثان، وخطفت تحية الأنظار فى المهرجان بالملاية اللف، وظهرت وطنيتها عندما لم تتحمل إساءة الممثلة ريتا هيوارث للعرب فى جلسة عشاء فسبتها كاريوكا باللغة إنجليزية، وقيل أنها بصقت فى وجهها، فانسحبت هيوارث، ولعل هذا الموقف حرمها من جائزة النقاد بالمهرجان، ولكن كرمها الرئيس عبدالناصر بعد عودتها.
مع كل مرحلة من مراحل عمرها استطاعت كاريوكا أن تطوع مواهبها وقدراتها الفنية، وأن تنتقل بسلاسة من أدوار الفتاة الجميلة الشابة إلى أدوار المرأة الناضجة أو الأم والجدة بإبداع واقتدار وأن تبقى بطلة ونجمة فى كل أدوارها مهما كان حجم الدور، فلا أحد ينسى دورها فى أفلام سمارة والفتوة وأم العروسة وآه يا بلد آه، وخللى بالك من زوزو ووداعا بونابرت وإسكندرية كمان وكمان وغيرها، كما قدمت عددا المسلسلات التلفزيونية، وعددا من روائع المسرح السياسى.
وفى أحد حواراتها قالت تحية كاريوكا: «إن من أهم المخرجين الذين عملت معهم وأثروا فيها صلاح أبوسيف وحسن الإمام»، وأوضحت: «كنت بذاكر السيناريو زى التلامذة وأقرأه أكتر من مرة وأقول الجملة دى بايخة أو دمها تقيل، وكان المخرجين بيوافقونى ويقتنعوا بكلامى، وفيلم شباب امرأة مكانش كدة، عدلت فيه وأضفت». وأكدت كاريوكا أنها سافرت أمريكا وأقامت فيها لمدة عامين، وكانت مرشحة لفيلم عالمى، ولكنها لم تستطع البقاء بعيدا عن مصر، وعندما قابلت سليمان نجيب بكت وأعطاها ثمن تذكرة العودة وبعدها سددت 65 ألف جنيه إسترلينى قيمة فسخ العقد.
أزواج تحية
أحبها معظم الرجال الذين اقتربوا منها وعرفوها عن قرب، تزوجت 14 مرة لكن أى من هؤلاء الرجال لم يفهمها ولم تتحمل هى ما يمس كرامتها فانفصلت عنهم، رغم أن معظمهم كانوا من الأثرياء والمشاهير.
وكان من بين أزواجها المخرج فطين عبدالوهاب، والفنان أحمد سالم، ومن أهم زيجاتها زواجها من رشدى أباظة لمدة 3 سنوات ونصف، حيث أحبته وأحبها بشدة وقالت إنها عاشت هذه السنوات وكأنها فى الجنة، ولكنها انفصلت عنه بسبب علاقاته الغرامية، وتزوجت أيضا من الفنان محرم فؤاد.
وكانت أطول زيجات تحية وأكثرها قسوة من الكاتب المسرحى فايز حلاوة الذى استمر زواجها منه 18 عاما وانتهى بخلافات ومأساة بعدما طردها حلاوة من شقتها بملابس البيت واستولى على الشقة وتزوج فيها، وقالت تحية عن هذه الزيجة: «فايز حلاوة عرف نقطة ضعفى وأنا بحب المسرح فقال أتجوزها وأستغلها».
جدعنة تحية
اشتهرت تحية كاريوكا بالجدعنة وبمواقفها المساندة للضعفاء ووقوفها دائما إلى جوار المظلوم، ومن بين هذه المواقف ما حكاه المؤرخ الفنى الراحل وجدى الحكيم، مشيرا إلى أنها بعدما حققت بعض الشهرة وكان عبدالحليم حافظ فى بداياته قرر متعهد الحفلات فى الإسكندرية منعه من صعود المسرح، فقالت تحية: «لو ما اطلعش أنا كمان مش هاطلع» بالفعل تركت الحفلة، وأكد الحكيم أن تحية كان يمكن أن تتخذ أى موقف للتضامن مع زملائها حتى وإن كان ضد مصلحتها.
وأثناء تصوير أحد المسلسلات فى دبى عرفت كاريوكا أن المنتج لم يدفع أجور الكومبارس، فقررت الامتناع عن التصوير حتى يتم دفع أجورهم.
وأكد المخرج جميل المغازى أنها عندما عرفت أن الشاعر بيرم التونسى بعد نفيه رفضت فرنسا استقباله، وأنه عمل شيالا فى ميناء مرسيليا جمعت تبرعات وسافرت بنفسها لتسلميها له وناضلت مع الفنانين حتى أعادته إلى مصر.
وحكى الماكيير محمد عشوب فى الكثير من لقاءاته عن مواقف تحية كاريوكا، مشيرا إلى أنها كانت شديدة العطف على العمال بالاستديو وعلى الأطفال الذين يبيعون الجرائد أو أطفال الشوارع، وكانت دائما تصطحبهم لشراء الملابس الثقيلة فى الشتاء وتوزع عليهم الطعام، مشيرا إلى أنها كانت خلال التصوير تجمع تبرعات من أبطال العمل والمنتج والمخرج، وتضعها فى أظرف وتوزعها على العمال.
وتحدثت ابنة شقيقتها الفنانة رجاء الجداوى عن دور خالتها كاريوكا فى حياتها فى أكثر من لقاء قائلة: «علمتنى أشياء كثيرة أهمها الصدق وقالتلى الكذب أول الموبقات الكذبة بتجر كذبة، وعلمتنى عزة النفس والكرامة فقالت: لما تقعدى فى القصر خللى راسك براسهم ولما تقعدى على طبلية خليكى أقل منهم وما تحكميش على حد إلا لما تحطى نفسك مكانه».
وتحدثت رجاء الجداوى عن دور خالتها فى تربيتها قائلة: «والدتى اتطلقت وكنا 5 أشقاء فقررت خالتى تحية إنها تاخدنى أنا وكان عمرى 3 سنوات وشقيقى الأصغر فاروق، لتتولى رعايتنا وانتقلنا من الإسماعيلية للقاهرة ودخلتنا مدارس فرنسية، وكانت أكثر من أم وأدين لها بكل حياتى وبقيت معها حتى سن 14 سنة».
الزاهدة
تحكى عن الفترة الخيرة من حياة خالتها: «خلال الـ26 سنة الأخيرة كانت متفرغة للعبادة تقرأ القرآن، وتذهب للحج والعمرة وتستعد لمشوارها الأخير».
تحكى عن حياتها بعد طلاقها من فايز حلاوة: «طردها من بيتها بالشبشب والجلابية، فكلمتنى وصممت تأجر أوضة وصالة فى ميدان الدقى ورفضت تعيش معايا، ورغم مواردها الضعيفة كانت حريصة تعمل أكل وتقف فى مدخل البيت توزعه على العمال والناس الغلابة، وإذا جالها فلوس تروح السيد البدوى والسيدة نفيسة وتوزع أكل ولما أسألها معاكى فلوس علشان تعملى كدة تقوللى كل معلقة بتدخل جوف إنسان ربنا بيرزقنى عليها».
«كان عندها رضا وزهد مالهوش حدود، رغم إنها خسرت هدومها ومجوهراتها ولما أقولها مش زعلانة على حاجتك تقول لا، لو فيهم قرش واحد حرام ربنا كرمنى وخلصنى منه».
تشير إلى أن كاريوكا العظيمة كان يمكن ألا يكون معها فى نهاية حياتها سوى 5 جنيهات، وإذا وجدت طالبا لا يستطيع دفع مصروفات المدرسة كانت تعطيه كل ما معها وتقترض من البواب حتى يأتيها أى مبلغ.
تحكى قصة الطفلة التى وجدتها تحية كاريوكا على باب شقتها قبل وفاتها بعامين ونصف: «وجدتها أمام شقتها طفلة مولودة بدمها، فأخذتها واعتنت بها واتصلت بالشيخ الشعراوى وأخبرته بأنها تريد أن تربيها فقال لها اكفليها وسميها عطية الله، وهتكون مفتاحك للجنة».
وتابعت: «كانت تعشق هذه الطفلة وكانت مصدر سعادة لها، وبعد دخولها الرعاية المركزة، طلبت ورقة وكتبت اسم فيفى عبده، وأوصت بأن تتولى رعاية الطفلة بعد وفاتها، لأنها كانت تحب الطفلة، وتريد أن تتولى هى تربيتها بعد العثور عليها، وبالفعل تولت فيفى عبدة رعايتها بعد وفاة خالتى».
وحكى الماكيير محمد عشوب عن علاقة تحية كاريوكا بالشيخ الشعراوى، مشيرا إلى أنها كانت تعتبره أباها الروحى، وأنه تدخل لحل مشكلتها مع فايز حلاوة ودعاهما فى فندق فلسطين، وطلب من حلاوة أن يدفع لها نصف مليون جنيه نفقة متعة، فنظر حلاوة لتحية وقال لها يعنى «سنة المتعة تقف بكام»، فغضبت تحية وشعرت بالإهانة وقذفته فى وجهه بالطبق.
وقال عشوب: إن شقيقه المحامى مصطفى عشوب تولى القضية التى رفعتها تحية لاسترداد شقتها، ولكنه فوجئ باتصال منها تطلب منه عدم حضور الجلسات، فاتصل هو وشقيقه بالشيخ الشعراوى لإخباره، وعندما تحدث معها وسأها عن السبب قالت له تحية: «الراجل متجوز ومعاه مراته وبنت هيروح بيهم فين، وأنا كبرت والشقة كبيرة عليا ومبسوطة فى الشقة اللى أنا فيها»، فلمعت عين الشيخ الشعراوى وبكى قائلا: «بدأت أغير منك يا تحية، لإن ربنا بنى لك قصور فى الجنة».
وتابع: «بعد دخول تحية المستشفى للمرة الأخيرة قبل وفاتها زارها فايز حلاوة، وكانت فى شبه غيبوبة وبكى إلى جوارها، وفتحت عينيها فارتمى فى صدرها وبكى كالطفل وقال سامحينى وحياة النبى تسامحينى».
وصعدت روح تحية كاريوكا إلى بارئها فى 30 سبتمبر عام 1999 بعد حياة حافلة بالفن والنضال والعذاب والمجد والشهرة والزهد والورع، وودعها آلاف الغلابة والفقراء الذين أطعمتهم بالدموع والدعاء من مسجد السيدة نفيسة، وإن كانت بدوية محمد على النيدانى ماتت فى هذا التاريخ فإن تحية كاريوكا ستبقى وتعيش إلى الأبد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة