أيا كانت التبريرات فإن دول أوروبا ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر فى بناء صورة تنظيم داعش، وإذا كانت الصورة الحالية أن البرلمانات ووزارات الداخلية فى بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا والولايات المتحدة، ترفض استعادة مواطنيها من أعضاء تنظيم داعش فإن نفس هذه الدول كانت تشجع أو تغض الطرف عن هؤلاء الشباب وهم يسافرون علنًا إلى سوريا والعراق للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية.
لم تنشغل وزارات العدل والداخلية فى هذه الدول وهى ترى مواطنيها يسافرون للانخراط فى عصابات القتل والذبح، ويسهمون فى تخريب الدول العربية، ولا تظهر التغطيات والمعالجات الإعلامية فى المنصات الإعلامية الكبرى لقضية آلاف من مواطنى أوروبا وهم يطلبون العودة إلى بلادهم، بينما نرى اهتماما أكبر بتبنى قضية المتهمين بالارهاب فى الدول العربية بشكل يكاد يكون دفاعًا عن هؤلاء.
بريطانيا كانت منذ التسعينيات ملاذا آمنا لمتهمين ثبت تورطهم فى الاغتيالات والتفجيرات الإرهابية فى مصر والدول العربية، وهناك أسماء مثل ياسر السرى وآخرين ظلوا يحظون بحماية بريطانيا ومنحوا حق اللجوء، ورفضت بريطانيا تسليمهم بالرغم من صدور أحكام بالإدانة ضدهم. اليوم بريطانيا تسقط الجنسية عن الداعشية شميما التى طلبت العودة لبلادها، بينما فرنسا اعتبرت 150 داعشيا فرنسيا من «أعداء الدولة» وترفض استقبالهم أو استعادتهم ومحاكمتهم فى أراضيها.
لقد كان هؤلاء الشباب يحظون بمساندة إعلامية ويسافرون ويتحركون بحرية، تحت أعين أجهزة الأمن والحكومات التى ظنت أن إرهاب هؤلاء يتم فى أراضى سوريا والعراق وليبيا بعيدا عن أوروبا، وشاهد العالم الإرهابى البريطانى جون المعروف بذباح داعش وهو يمارس القتل أمام الكاميرات، قبل أن يلقى مصرعه، وكل هؤلاء الشباب ولدوا أو نشأوا وتعلموا فى أوروبا ولم يتعرض أى منهم لضغوط أو ظروف صعبة يمكن بها تبرير تحولهم إلى إرهابيين.
ولايمكن استبعاد دور أجهزة الاستخبارات الأوروبية فى نشأة ونمو داعش، الذى كان مقاتلوه يستعرضون قوتهم بسيارات الدفع الرباعى اليابانية، وهى نفس السيارات التى ميزت الدواعش فى سوريا والعراق وليبيا، ولا أحد يعرف أين ذهبت كل هذه الآلاف من السيارات، ومن قدمها للتنظيم، لقد كانت أجهزة الأمن الأوروبية ممثلة فى سوريا والعراق طوال سنوات صعود داعش، كما كان تدفق الإرهابيين يتم علنا وأمام أعين هؤلاء، ومروا من مطارات أوروبا دخولا وخروجا.
وبالتالى فإن أجهزة الاستخبارات الأوروبية التى شهدت قيام وصعود داعش، لديها الكثير من الملفات والمعلومات، التى تتعلق بنشأة التنظيم. ثم إن قوات التحالف ظلت تعلن أنها تشن هجمات على داعش، من دون نتيجة حتى تدخلت روسيا قبل ثلاثة أعوام بشكل مباشر. ضمن تحولات سياسية أسفرت عن الصورة الحالية. آلاف الدواعش الأوروبيين ينتظرون العودة وأوروبا ترفض استقبال مواطنيها وتتركهم لمصائرهم، وهو أمر يبدو بعيدا عن اهتمامات الإعلام والمنظمات الحقوقية الكبرى، فلم نر تقريرا لـ«هيومان رايتس ووتش» أو «العفو الدولية» يطالب أوروبا باستعادة مواطنيها الدواعش وضمان حقهم فى محاكمات عادلة، ولا يتوقع أن تنشغل هذه المنظمات بمصائر الدواعش الأوروبيين لأنها مشغولة بالدفاع عن دواعش الشرق الأوسط فقط. ولم تتورط منظمات الحقوق الأوروبية مرة فى إدانة مذابح داعش. والأمر كله يرتبط بمصادر التمويل فى كل الحالات.