الثقافة بخيرها وشرها ليست «محفوظات» نرددها، ولا شعارات نتبادلها فيما بيننا، إنها تتشكل جزءا جزءا مما نسمعه ونراه ونعرفه، ودون وعى أحيانا نتأثر بما يحدث ثم ننتبه متأخرين إلى أن ثقافة ما قد فرضت نفسها على المجتمع، ومتأخرين أيضا لا نعرف شيئا عن ثقافة المواجهة.
ربما تبدأ الحكاية من العجب الذى يصيبك عندما يحدثك البعض عن القتل على الهوية، مثلما يحدث فى ميانمار، ومثلما يحدث فى فلسطين، ومثلما يفعله التنظيم الداعشى الإرهابى فى العراق وسوريا، وتستنكر ذلك بشدة، وتتساءل متعجبا: كيف يتم قتل الإنسان دون سبب اقترفته يداه، ثم تدعو الله أن يحفظ مصر من ذلك الشر ونحمد الله على ذلك، لكننا فى هذه الحالة علينا أن نعرف أننا لم نقرأ الواقع جيدا، ولم ننتبه للتفاصيل الشيطانية الصغيرة التى بدأت تسكن مجتمعنا.
بعد وقت من تعجبك تجد أنك كلما قرأت حادثة غريبة فى الصحف أو سمعت عنها من وسائل الاتصال تساءلت: هل نحن شعب عنيف بطبعه وأننا لم نعرف أنفسنا جيدا؟ أم أننا طيبون لكن ما يحدث فى العالم انعكس على أرواحنا فرحنا بلا وعى نرتكب ما لا نتخيل من الأفعال التى غاب عنها المنطق؟
وبلا منطق، تحدث فى بر مصر جرائم ما أنزل الله بها من سلطان، يجمع بينها العنف الزائد عن الحد، ومن ذلك الجريمة التى قامت بها سيدة فى محافظة قنا بقتل طفلَى «سِلفتها» انتقاما منها، فى جريمة أقل ما توصف به أنها غريبة وغير آدمية بالمرة، حيث تقول فى اعترافاتها «لم أجد وسيلة لأحرق قلب «سِلفتى» أفضل من قتل «ضناها»، فقد استدرجت طفلها قبل عام من الآن، ووضعته داخل جوال وألقيته فى مصرف وهو حى، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، وذرفت عيناى دموع التماسيح، واتشحتُ بالأسود حزناً عليه وسرت فى جنازته لإبعاد الشبهات» وبعدها بوقت قصير قامت بقتل الطفل الآخر وحاولت قتل الأب بالسم.
ومصر لا تستحق ذلك ولا ينبغى أن تكون هكذا، لذا على علماء النفس والاجتماع أن يدرسوا تلك الظاهرة بشكل مختلف، ويعرفوا أن الشكل الداعشى العنيف ليس فى حاجة لراية سوداء يمشى تحت ظلها، فهو يتغلغل فينا كثقافة وهذا هو الأخطر.