القمة العربية الأوروبية المنعقدة فى شرم الشيخ خطوة فى إطار الحوار العربى الأوروبى، واستمرار لنقاش لم ينقطع حول القضايا الإقليمية والدولية الساخنة، وهى المرة الأولى التى يتم فيها جمع العرب والأوروبيين على مائدة واحدة، بشكل يتجاوز اللقاءات الروتينية فى الاجتماعات الأممية، ولهذا بدت القمة أنها أضخم حضور دبلوماسى من الجانبين العربى والأوروبى، واستمرار لحوار ممتد على مدى سنوات، وهو ما يمثل نجاحا لسياسة مصر الخارجية والخطاب المصرى الذى طرحه الرئيس عبدالفتاح السيسى مرات، وهو خطاب واحد لا يتغير يقوم على السياسة الواقعية والمصالح المشتركة والربط بين التنمية والأمن فى سياق واحد.
لقد انتهت قبل أيام قمة ميونيخ للأمن، والتى تناولت قضايا الأمن والهجرة غير الشرعية والتنمية. تركزت وجهة نظر مصر التى طرحها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى هذا السياق، على الربط بين الملفات الأمنية والاقتصادية، بحيث لا تتوقف مواجهة التحديات الأمنية كالإرهاب والهجرة غير الشرعية، فقط على الإجراءات الأمنية لكنها ترتبط بالتنمية والاستثمار، وترتب مسؤولية كبيرة على الدول المتقدمة تجاه الدول الفقيرة، وأن الاستثمار والتنمية يساهمان فى خلق فرص عمل وتقليل احتمالات الهجرة تجاه أوروبا، ونفس الأمر فيما يتعلق بالإرهاب.
كانت الاستجابة الواسعة من دول الاتحاد الأوروبى للمشاركة فى القمة إدراكا لمدى الجدية والعائد من هذه القمة، القمة ترأسها مصر والمجلس الأوربى، وهناك مشاركة من الاتحاد وأيضا من دوله الـ28، بما فيها الدول الأوربية الكبرى حيث تحضر المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس وزراء فرنسا ورئيسة وزراء بريطانيا، فضلا عن رؤساء دول وحكومات أوروبا ورئيس المجلس الأوروبى دونالد تاسك، وفى نفس الوقت فإن الحضور العربى كبير على مستوى الملوك والرؤساء ورؤساء البرلمانات والحكومات.
هذا الحضور الأوروبى والعربى، يشير إلى إدراك لأهمية القمة وتأكيد لنجاح مصرى فى تنظيمها، وهو ما دفع فيديريكا موجرينى، مفوضية السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى، لوصفها بالحدث التاريخى، والقول إن هناك تطلعات مشروعة لدى كل جانب، فى أوروبا لديهم مصالح يسعون إلى تحقيقها فى القمة العربية الأوروبية، مثل مواجهة الهجرة غير الشرعية، والتعاون فى ملف الإرهاب، وتحقيق الاستقرار فى العمق الاستراتيجى لأوروبا. أما الجانب العربى فله أهداف، مثل مصر التى تبحث عن المزيد من الاستثمارات والدعم المالى والسياسى فى حربها ضد الإرهاب، ويلخص ليناس لنكيفيشيوس، وزير خارجية ليتوانيا الهدف من القمة «هناك مصالح مشتركة وعلينا أن نحققها».
وهناك إشارات مهمة إلى دور مصر فى التعامل مع ملف اللاجئين، حيث تستقبل مصر ملايين من اللاجئين، وهى الدولة الوحيدة التى لا تعزلهم فى مخيمات، وتعاملهم كمواطنين، وتفتح لهم مجالات العمل والتعليم، وهو ما يخفف من مشكلاتهم الاجتماعية والإنسانية ومع هذا فإن مصر لم تتلق أى مقابل لهذا بينما هناك دول تمارس ابتزازا سياسيا بملف اللاجئين، وهو ما دفع جوهانس هان، المفوض الأوروبى المكلف بسياسة الجوار ومفاوضات التوسع، للإشارة إلى أنه سيطلب من القمة تخصيص دعم مالى لدعم الدول التى تستقبل مجموعات كبيرة من اللاجئين على أراضيها، ويقول: «مصر ستكون أكثر الدول استحقاقا لوجود مجموعة كبيرة من اللاجئين على أراضيها».
وفيما يتعلق بملف الإرهاب، فقد كانت مصر سباقة لتنبيه أوربا إلى أن الإرهاب ليس شأنا إقليميا أو محليا، لكنه قضية تؤثر على أوروبا والعالم، ومع الوقت أدركت أوروبا أهمية الطرح المصرى، خاصة مع ظهور مشكلات لآلاف الإرهابيين الأوروبيين من داعش، الذين يربكون أوروبا، ويمثلون تهديدا لدولهم وغيرها، فضلا عن رؤية مصر فيما يتعلق بحل سياسى لصراعات المنطقة.
وقد توصلت الأجهزة والمؤسسات الأوروبية إلى صدق الرؤية المصرية، ووضوحها، وفى نفس الوقت أهمية توسيع مفاهيم الحقوق الإنسانية لتشمل بجانب الحقوق الشخصية، الحقوق الاجتماعية والحق فى عوائد التنمية، وبعيدا عن التهوين أو التهويل فإن القمة العربية الأوروبية خطوة فى وقتها لتحقيق مصالح مشتركة لأطرافها فى عالم تعصف به الصراعات.