"فرن حراري وسلك لحام وأزير وكباس وماء نار للتطهير، ومكواة لحام، ومقص، ومجموعة من البنزات".. أدوات لا يسمع عنها الجيل الجديد نهائيا، فهي أدوات لمهنة أوشكت على الانقراض نهائيا، إلا أنها لازالت تحارب من أجل الاحتفاظ مما تبقي منها، إصلاح "بوابير الجاز والشيشة والأكواب الأستانلس"، هي الأعمال المختصة بها الأدوات السابقة لكنها تكاد تكون انعدمت ولا تفي بإيراد يمكن من خلاله تدبير المعيشة للأسر.
في أحد النواصي بوسط مدينة بنها في القليوبية يكمن المحل الخاص بعم محمد مصطفى، لإصلاح بوابير الجاز والشيشة وغيرها من الأعمال، ويكاد يتخطى عمر هذا المحل ما يزيد عن 65 عاما، حيث نشأ ليجد والده في هذا المحل ليرث منه المهنة منذ نعومة أظافره ويظل يحتفظ بها طوال عقود متتالية، إلا أنه رفض تعليمها لأبنائه من بعده لعدم جدواها إلى جانب تأثيرها السلبي على صحة العامل بها.
عم محمد مصطفي، صاحب الـ55 عاما، وصاحب ورشة لإصلاح بوابير الجاز والشيشة بوسط مدينة بنها، يحكي مشواره مع المهنة منذ بدايته وحتى الآن، ليؤكد أن المهنة قديما كانت مجزية جدا لانتشار بوابير الجاز واعتماد الجميع عليها في أعمال، إلى جانب أن أعمال الإصلاح كانت مجزية، وكان أصحاب هذه المهنة يسعون للتوسع وكانت عبارة عن ورش كبيرة تستقبل العديد من الزبائن يوميا.
وأضاف "محمد" لـ"اليوم السابع"، أنه ظل يعمل بهذه المهنة ما يزيد عن 50 عاما، حيث إنه منذ نعومة أظافره نشأ ليجد والده يعمل بهذه المهنة ويمتلك هذه الورشة، فتعلم على يد أبيه، وورث هذه المهنة بعد رحيله دونا عن إخوته، الذين فضلوا عدم العمل بها والالتحاق بوظائف ومهن أخري، مشيرا "كان الحال ماشي والدنيا شغالة إلى أن ظهر البوتجاز، وبدأ الاختفاء التدريجي للوابور، وساعد في اختفائه أيضا عدة عوامل منها المدفأة الإلكترونية وتوصيل الغاز للمنازل، وعدم إنتاج الكيروسين الأبيض الذي يعتمد عليه عمل الوابور، واستبداله بسولار".
وتابع، أنه منذ ذلك الحين بدأت المهنة في الاندثار لتسعي هي الأخرى وتحاول أن تجد حلولا لتبقى أكبر قدر ممكن على قيد الحياة، فضمت إصلاح الشيشة ولحام الأكوام الإستانلس بـ"الأزير"، إلا أنها رغم كل هذه المحاولات لن تستطيع الصمود طويلا أمام التطور التكنولوجي السريع، وابتعاد المواطنين عن استخدام الوابور غير فئة قليلة جدا من كبار السن وبعض الحالات التى تفضل استخدام الوابور عن غيره في أعمال التدفئة.
وأوضح، "وابور الجاز كان أهم لوازم العروسين، وكان شيئا أساسيا في الجهاز، وكان أساسى فى البيت، كل واحدة عندها وابور أو وابورين، والنهاردة مفيش حد بيعرف يولع وابور الجاز والجاز غالى وبقى كل الجاز، غير كده الكيروسين مش موجود، واللي موجود فى السوق سولار وبيهبب، فاستخدم الوابور ما بقاش متواجد زي زمان".
وأشار عم محمد، إلى أن هناك بعض المواقف الطريفة التي لازالت تحدث حتى الآن معه بهذه المهنة، موضحا "فيه كتير مواقف بضحك عليها منها إنه فيه محامين كتير بتيجي تصلح وابور الجاز بتاعها اللي محتفظين به من سنين ولو اتدمر يشتري واحد وغالبيتهم بيقولوا أنهم مبيعرفوش يقروا القضايا إلا والوابور شغال جنبهم وغير كده ميقرأش القضية ويأجلها لحين إصلاحه".
واستطرد، "ومن المواقف الطريفة أيضا فيه ناس أغنياء وساكنين في فلل وشقق غالية بيشتروا الوابور علشان يناموا على صوته وكمان ينيموا أطفالهم على صوته، ولحد دلوقتي بيجبوه يتصلح لو حصل فيه حاجة، لكن دلوقتي لو قولت وابور قدام الجيل الجديد ممكن يضحك علينا وميعرفش دا إيه، لأنه بدأ فعلا في الاختفاء تمام، وهتختفى معاه المهنة اللى تركها الغالبية الكبيرة من اصحاب الورش وحولوها لنشاط تانى".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة