لى معيار غريب فى الحكم على جودة الأفلام والممثلين، وهذا المعيار يتلخص فى أن أقوم بتثبيت صورة أى مشهد بشكل عشوائى، فإن وجدت أن الصورة جذابة وموحية ومتناسقة ودرامية أتفاءل خيرا بالفيلم والتمثيل، وإن وجدت غير ذلك أترقب أقرب فرصة ملل لأنهى المشاهدة، وقد جربت هذا الأمر مرارا وتكرارا فنجح نجاحا كبيرا، لكن مع فيلم بوهيميان رابسودى الذى قام ببطولته الفنان المصرى الأصل «رامى مالك» كان الأمر أكثر من عظيم، وكان كل مشهد يظهر فيها «مالك»، وكأنه أيقونة بشرية تستحق أن تخلد فى الذاكرة البصرية التشكيلية.
منذ أن تم عرض الفيلم نال الكثير من الاهتمام وتضاعف هذا الاهتمام فى منطقتنا منذ أيام قليلة، حينما حصل رامى مالك على جائزة الأوسكار كأحسن ممثل تقديرا لأدائه فى الفيلم، لكننا تحدثنا «حول» الفيلم لم نتحدث «عن» الفيلم، وفى الحقيقة فإننى أرى أننا مارسنا دورنا فى ظلم الأشياء العظيمة بالطنطنة والعنعنة، كما أننا مارسنا درونا أيضا فى تشويه الجمال بالحديث العابر عنه، وهو دور أتمنى أن نتنحى عنه ولو لفترة قصيرة.
الفيلم يتناول قصة حياة المغنى «فريدى ميركورى» الذى قدمت عائلته من «المحمية البريطانية» «زنجبار» الذى عاش فى بريطانيا وتجنس بجنسيتها، وقد شغل «فريدى» الناس بصعوده اللافت للنجومية وشخصيته المضطربة وهويته الجنسية المعقدة، فقد عاش فريدى حياة طبيعية حتى اكتشف ميوله للمثلية الجنسية، ومن هنا تغيرت حياته تماما، فترحته زوجته، وانغمس فى اللهو والمجون حتى أصيب بمرض الإيدز ورحل عن دنيانا، وهو فى عز مجده وشبابه عن عمر 45 عاما.
إن كنت ممن يفضلون التقييم الأخلاقى للأفلام فهذا فيلم «أخلاقى» من الدرجة الأولى، فيه تتجسد عاقبة العبث بشكل لا يوصف، فحياة فريدى كانت عبارة عن مآس متلاحقة، انتهت بأبشع نهاية ممكن أن تتوقعها، أما إن كنت ممن يريدون التقييم الفنى والإنسانى للأفلام فمرحى بك، هذا ليس فيلما، بل أيقونة، صنعها وخلدها رامى مالك بأدائه العظيم، وتقمصه المهول لشخصية شهيرة إلى حد يجعل الجميع قضاة فى منتهى القسوة إن حدثت هفوة هنا أو هفوة هناك، وفى الحقيقة فإن أداء رامى لهذه الشخصية كان طبيعيا بشكل لا يوصف، بل لا أبالغ إذا قلت إنه كان طبيعيا أكثر من «فريدى نفسه».