تحول النظام التركى إلى نظام يهيمن عليه الرجل الواحد، يحكم بقبضة حديدية، يبطش بمعارضيه، ويزج بهم فى السجون، ورسمت منظمات دولية صورة قاتمة لأوضاع حرية التعبير فى ظل النظام الذى أسسه رجب طيب أردوغان وتمكن من السيطرة على كافة وسائل الإعلام المرئية منها والمسموعة، لاسيما بعد محاولات الإطاحة بأردوغان فى يوليو 2016.
سقطت ورقة التوت عن إدعاءات رجب طيب أردوغان الزائفة بحرية تنعم بها بلاده، فى وقت سجلت تركيا كل يوم حالات من انتهاك حقوق الإنسان لاسيما الصحفيين، وقمع نشطاء ينددون بالانتهاك الذى تتعرض له المعارضة والإعلام فى عهده، وعجت السجون التركية بكل من سولت له نفسه انتقاد النظام، وبتهم ملفقة تمكن النظام التركى من إقصاء خصومه فى الداخل والخارج.
تركيا الأكثر اعتقالا للصحفيين
انتهاكات النظام التركى، نددت بها المنظمات الدولية، حيث أعلنت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين، فى ديسمبر العالم الماضى، أن عدد الصحفيين المعتقلين حول العالم بلغ 262 صحفيًا، وكان لتركيا النصيب الأكبر من عدد الصحفيين المعتقلين، وقال التقرير الصادر عن اللجنة إن تركيا والصين تصدرتا قائمة أكثر الدول المعتقلة للصحفيين هذا العام.
وكشف التقرير، أنه رغم احتلالها الصدارة إلا أن أعداد الصحفيين المعتقلين فى تركيا تراجع هذا العام بواقع 8 صحفيين ليصل إلى 73 صحفيًا معتقلاً، وحافظت أنقرة على صدارتها لقائمة أكثر الدول المعتقلة للصحفيين للعام الثانى على التوالى، مؤكدا أنه عقب المحاولة الانقلابية العام الماضى تزايد قمع الصحافة فى تركيا، وأشار التقرير إلى أن السلطات التركية تتهم بعض الصحفيين باستخدام تطبيق التواصل "بيلوك" وامتلاك حسابات في بنوك يُزعم انتمائها لحركة الخدمة.
موجات الاعتقالات منذ 2016
ومنذ محاولة الإطاحة بحكم أردوغان لم تتوقف موجات الاعتقالات ولم تطال الصحفيين وحدهم، بل طالت أكثر من 50050 ألف شخص، من بينهم 18 ألف من النساء وما يقرب من 700 طفل مع أمهاتهم بتهمة التورط في محاولة الانقلاب، وذلك حسب بيانات وزارة العدل التركية، وتجرى محاكمة أكثر من 150 صحفيا من وراء القضبان بتهمة الانقلاب.
وفى يناير 2018، شن النظام التركى حملات اعتقالات تعسفية، شملت أقاليم تركية مختلفة، وطالت عددًا كبيرًا من المناهضين لسياسات الرئيس التركى، وتم اعتقال نحو 150 شخصا بذريعة "نشر دعاية إرهابية" على وسائل التواصل الاجتماعى بشأن عملياتها العسكرية المعروفة "بغصن الزيتون"، ضد مقاتلين أكراد فى سوريا، والتى يشنها الجيش التركى منذ مطلع الأسبوع الجارى.
وأبدت جماعات حقوقية وحلفاء غربيون لتركيا قلقهم إزاء حجم عملية القمع، وقالوا إن أردوغان يتخذ محاولة تحركات الجيش ذريعة لكبح المعارضة، لكن الحكومة تقول إن الإجراءات الأمنية لازمة بسبب فداحة التهديد الذى تواجهه تركيا.
وبسبب التنكيل والاعتقالات التعسفية بحق المعارضة والعسكريين فر الكثير منهم خلال العامين الماضيين إلى بلدان أوروبية عقب محاولة الجيش الإطاحة بأردوغان، وفى يوليو 2016 بدأ النظام حملة تطهير للمعارضة داخل وخارج تركيا، وتم على إثرها مؤخرا فصل 7 آلاف ضابط و150 لواء من الخدمة فى الجيش.
ولم يقف التنكيل بالجيش التركى على يد نظام أردوغان عند الإقصاء من المؤسسة العسكرية، بل امتد إلى عملية اعتقالات تعسفية لم تتوقف على مدار العامين الماضيين، حيث اعتقل النظام 50 ألفا و510 أشخاص من بينهم 169 برتبة جنرال و7 آلاف برتبة عقيد و8 آلاف و815 فرد أمن، بالإضافة إلى 24 واليا و73 نائبا و116 محافظا و2431 قاضيا ومدعيا عاما.
ومن جانبه قال سيزاي تميلي، الرئيس المشترك لحزب الشعوب الديمقراطي المعارض، الذي يُعد من أكبر الأحزاب السياسية المعارضة في تركيا، في مقابلة مطوّلة مع العربية، من اسطنبول، على أن "السلطة القضائية في تركيا فقدت استقلاليتها ونزاهتها ومصداقيتها، ولهذه السلطة دور هام في الهجوم المتواصل ضد حزبنا، وهي تعمل تحت إمرة السلطة العليا أو ما تُعرف بالسراي"، مضيفاً أن "حكومة حزب العدالة والتنمية تقوم بشتّى أنواع الظلم والقهر لكسر إرادة وقوة حزبنا".
وكشف أن "من يقبعون في السجون التركية حالياً من حزبنا هم 46 من رؤساء البلديات، و10 نواب من البرلمان، بمن فيهم فيغان يوكسيك داغ وصلاح الدين دميرتاش، الرئيسان المشتركان السابقان لحزب الشعوب الديمقراطي، إلى جانب احتجاز نحو 10 آلاف موظف من حزبنا في السنوات الأربع الماضية بعد اعتقال معظمهم".
كما أكد تميلي أن "في شهر فبراير الجاري، تعرّض ما يقارب ألف شخص للاعتقال خلال أسبوع واحدٍ فقط"، موضحاً أن "جميع القضايا التي يُتهم فيها ممثلونا المنتخبون تتعلق بالمظاهرات السلمية التي قاموا بها".
وقال المعارض التركى "في الوقت الراهن، يتم محاكمة كل من يعارض حكومة حزب العدالة والتنمية، وتم تسريح آلاف الأشخاص من وظائفهم من الذين لم تكن لهم أي علاقة بمحاولة الانقلاب، كل ذلك في ظل حالة الطوارئ التي أعلنها أردوغان، كذلك تم حظر النقابات العمالية من حقها في الإضراب، وتم إصدار التشريعات والمراسيم خارج إطار القانون بما يتلاءم مع مصالح العدالة والتنمية، وهذا ما يحصل في مؤسسات الدولة، حيث أصبح ابتزاز الحقوق والقوانين أمراً شائعاً".
كما شدد على أن "سلطة الرجل الواحد التي أسسها وسار بها الرئيس أردوغان، وصلت لدرجة جعلت كل كلمة يلقيها بمثابة قانون بحد ذاته، وأدت إلى تأسيس نظام استبدادي سلطوي، ولم يكتفِ أردوغان بهذا، بل فتح بطموحه للسلطة والعداء للأكراد الباب لتوترات جديدة في الشرق الأوسط".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة