أكرم القصاص

القاسمى وسور الأزبكية ووجه القاهرة المثقف

الثلاثاء، 05 فبراير 2019 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى قال، إن الانتقال إلى العاصمة الإدارية يتضمن نقل كل الأعمال بالجهاز الإدارى للدولة، وتخفيف العبء عن القاهرة التى سوف تظل العاصمة. مدبولى قال ذلك أثناء افتتاح مبنى دار الكتب بباب الخلق بعد ترميمه وتطويره، بمنحة من الشيخ سلطان القاسمى، حاكم الشارقة، 31 مليون جنيه، وأشار إلى أن هناك اتجاها لتطوير القاهرة بوجهها الحضارى، وقد تلاقى هذا مع كلمات مهمة أعلنها حاكم الشارقة، أشار فيها إلى أهمية الحفاظ على وجه مصر الثقافى والحضارى.
 
الشيخ سلطان القاسمى، يقدم على مدى عقود الكثير من الجهد والوقت والمال، لخدمة الثقافة والحضارة فى مصر، وهو حاكم مثقف يعتز بدراسته فى جامعة القاهرة، ويصر فى كل مناسبة على التأكيد بأنه يرد جميل مصر، وهو رجل يدرك قيمة الثقافة والحضارة، وأتذكر كيف ساند فى التسعينيات الجمعية التاريخية عندما تعرض موقعها فى وسط القاهرة لأزمة، فتبرع الشيخ سلطان لإقامة مقر محترم ولائق للجمعية التاريخية. وهناك مئات المؤسسات الثقافية والعلمية استفادت من جهود الرجل، وعلى رأسها جامعة القاهرة التى يقدم لها الشيخ سلطان كثيرا، ويعلن أنه اعتراف بفضل الجامعة عليه عندما درس بكلية الزراعة، كما يقدم منحا ضخمة لمعهد الأورام وقصر العينى وغيرهما.
 
إصرار حاكم الشارقة المثقف على التذكير بفضل الجامعة عليه، يكشف عن إدراك عميق بقيمة مصر الحضارية والثقافية والعلمية، ويقول الشيخ سلطان: عرضت من قبل برنامجا متكاملا مع وزير الثقافة لتطوير قصور الثقافة، فهى التى تستطيع جمع الشباب وتثقيفهم ومنحهم الإيمان الصادق، وهى كلمات تكشف إدراك الشيخ القاسمى لقيم الثقافة فى بناء الوعى.
 
ومن بين الكلمات المهمة التى أعلنها الشيخ سلطان قوله: كنت كثير التردد على سور الأزبكية وجمعت من خلاله الكثير من كتب التراث، وهناك مشكلة متعلقة بسور الأزبكية حاليا، وأطلب ألا يُزال الباعة من هذا المكان، فثقافتنا وعلمنا منه، وأنا على استعداد للإبقاء عليه بالصورة الحضارية المطلوبة، وأرجو أن يكون هناك احتفال قريبا بهذا المكان فى ثوب جديد.
والواقع أن إدراك الشيخ سلطان لأهمية قصور الثقافة، وقيمة وأهمية سور الأزبكية يكشف إلى أى مدى يمتلك الشيخ سلطان ضميرا ثقافيا وحضاريا، فهذا السور ساهم وما يزال فى بناء ملايين العقول على مدى سنين طويلة، وهو يمثل واحدا من المعالم التى تميز القاهرة بوجهها الثقافى.
 
وإذا كنا نتكلم عن قوة مصر الناعمة بمناسبة ومن دون فإن سور الأزبكية يمثل أحد أهم عناصر بناء الوعى والثقافة، والمدن والعواصم ليست فقط مبانى أو أبراجا، لكنها روح تقوم على عناصر متعددة، الشوارع والبشر والمطاعم والمقاهى، والسينما والمسرح والدراما، والموسيقى والفن التشكيلى وكانت هذه العناصر حاضرة دائما تمثل القلب من أى حضارة وهى التى ميزت مصر دائما وما تزال، ولعل كلمة الشيخ سلطان القاسمى تنبه بعض من لا يدركون قيمة هذه العناصر وقيمة سور الأزبكية وغيره من العلامات، لدرجة أنه يبدى استعداده لدعم تطويره وبقائه، فالسور هو النهر الذى تجرى فيه الكتب، وتذهب لمن يحتاجها بعدالة، وتنتقل الكتب من جيل لآخر بطريقة إنسانية وبأسعار مناسبة، ساهمت خلال عقود فى تشكيل وعى المثقفين.
 
لقد كانت هناك ضرورات فرضت نقل سور الأزبكية من مكانه القديم، أثناء تطوير ميدان العتبة، ومترو الأنفاق، وتم نقله إلى مكان بجوار المترو، ربما لم يكن بنفس الحجم القديم، لكنه أبقى على روح السور، ولكن الأمر بحاجة إلى أفكار مختلفة تجعل الكتب والسور جزءا من مفرادت مصر، وقد ظل سور الأزبكية طوال عقود فى مكانه القديم، من دون أن يمثل أى عبء أو أشغال على العكس مما يجرى من أنشطة أخرى، ولما انتقل إلى مكانه الحالى ظل قادرا على القيام بدوره.
 
وإذا كان رئيس الوزراء يشير فى كلمته إلى الإبقاء على القاهرة وتطوير أحيائها التاريخية، فالمفترض أن يشمل التطوير الأحياء الحالية بالعاصمة التى تعانى من الزحام والفوضى والإشغالات التى تكاد يتحول بعضها لعشوائيات، والأمر يحتاج كما أشرنا من قبل إلى تعيين رؤساء أحياء قادرين على العمل وليس مجرد «خيالات مآتة».
 
وإذا كان رئيس الوزراء يتحدث عن تطوير القاهرة، فإن هذا التطوير يفترض أن يضع فى اعتباره الشكل والمضمون الحضارى، وألا يظل الأمر مجرد أبراج أسمنتية بلا روح، ونظن أن أى حديث عن الوعى ومواجهة التطرف، يرتبط بمفردات الثقافة والفنون وباقى تفاصيل القوة الحقيقية، التى تواجه الكثير من التحديات وتحتاج إلى نظرة تتعامل معها بقيمتها الحقيقية.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة