"إذا كثر المعروض انخفضت الأسعار أو بارت السلع"، تعد تلك الجملة إحدى القواعد الأساسية فى عالم التجارة والأسواق والاقتصاد، ورغم أن الجميع يعلم بأن زيادة الأصناف يقلل من قيمتها، إلا أن دول كبرى وقعت فى ذلك الفخ وانهارت إمبراطوريات بسبب عدم توخى الحذر والسقوط فى هاوية البحث عن تحقيق ثروات ضخمة من المعادن النفيسة، ولنا فى إسبانيا دليل واضح فى هذه التجربة.
لعنة المعادن النفيسة أصابت الإمبراطورية الإسبانية، والتى بدأت رحلتها مع وصول المستكشف الإيطالى الأصل كريستوف كولومبوس، للعالم الجديد - الأمريكتين - سنة 1492، حيث اتجهت إسبانيا لشن عدد من الحملات العسكرية ضد السكان الأصليين فى سعى منها لتأسيس إمبراطوريتها بالمنطقة، وبالتزامن مع ذلك، سعى الكونكيستدور الإسبان، لخوض مغامرة السفر نحو العالم الجديد والعودة لوطنهم محمّلين بالذهب والغنائم التى طالما تحدث عنها المستكشفون – وذلك حسب تقارير إعلامية.
لوحة زيتية تعبيرية تبرز قطعا نقدية فضية وذهبية بالقرن السادس عشر
ونجد فى تفاصيل رحلة السعى وراء المعادن النفيسة، أن الإسبان خلال بحثهم عن الذهب، خاضوا حروب أدت لانهيار حضارتى الأزتك على يد الكونكيستدور هرنان كورتيس، والإنكا، على يد فرانسيسكو بيزارو، فضلًا عن ذلك، اتجهت الإمبراطورية الإسبانية لاستخراج الذهب والفضة من مناجم العالم الجديد، خاصة المناجم الموجودة بمنطقة بوتوسى، ببوليفيا حاليًا، ليتم نقلها نحو القارة الأوروبية.
وبفضل كميات المعادن النفيسة الواردة من العالم الجديد، تحولت إسبانيا إلى واحدة من أغنى الدول التى عرفها التاريخ، حيث ساهمت الفضة والذهب فى بناء الإمبراطورية الإسبانية وتمويل حروبها خلال الوهلة الأولى.
وفى غضون ذلك، اتجهت إسبانيا بداية من النصف الثانى من القرن السادس عشر، لاستخراج كميات كبيرة ومتزايدة من الذهب والفضة من مناجم العالم الجديد قبل نقلها نحو القارة الأوروبية، إلا أن المعادن النفيسة لم تؤدى إلى ازدهار، بل كانت النتائج عكسية وعلى غير المتوقع منها، فقد تسببت فى أزمة اقتصادية غيرت مراكز القوة بالعالم القديم، وأسفرت عن انهيارها وفقدانها لمكانتها.
كريستوف كولومبس
بسبب توافد كميات هائلة من الذهب والفضة على القارة الأوروبية، عرفت إسبانيا خلال فترة وجيزة تضخمًا غير مسبوق، حيث فقدت هذه المعادن النفيسة قيمتها بالسوق بشكل تدريجى بسبب وفرتها، وذلك بعدما نقلت السفن الإسبانية ما يعادل 170 طنًا من الفضة سنويا من العالم الجديد، وفى المقابل سجلت أسعار سائر المواد ارتفاعًا سريعًا لتتضاعف 6 مرات خلال 150 سنة فى كامل أرجاء أوروبا الغربية ضمن واقعة لقبت بثورة الأسعار.
وبالتزامن مع ذلك، اتجهت الإمبراطورية الإسبانية لاستيراد أغلب بضائعها من الدول الأجنبية ليسجل الميزان التجارى الإسبانى عقب ذلك عجزًا هائلًا، حيث تجاوزت قيمة الواردات بشكل كبير قيمة الصادرات أيضًا، وساهمت كميات المعادن النفيسة التى أنفقها الإسبان على السلع المستوردة فى انتشار أزمة التضخم نحو الدول الأخرى.
الكونكيستدور الإسباني فرانسيسكو بيزارو
سنة 1556، ترك شارلكان، لابنه فيليب الثانى، إمبراطورية إسبانية، أثقلت الديون كاهلها، وفى ذلك الوقت، اتجه فيليب الثانى، خلال فترة حكمه التى امتدت لأكثر من أربعين عامًا، لخوض حروب عديدة للحفاظ على إمبراطوريته، وبسبب ذلك تزايدت الديون الإسبانية بشكل سريع لتجبر البلاد عقب ذلك على التخلف عن سداد ديونها أربع مرات خلال سنوات 1557 و1560 و1575 و1596.
وعلى عكس ما توقعه الإسبان، تحولت فضّة وذهب العالم الجديد إلى لعنة على بلادهم، حيث لعبت هذه المعادن النفيسة، والتى تسببت فى تدهور الاقتصاد، ومن ثم انهيار الإمبراطورية الإسبانية خلال القرون التالية، فضلًا عن ذلك خسرت إسبانيًا مكانتها العالمية تدريجيا بداية من القرن السابع عشر لصالح البريطانيين الذين باشروا بتكوين إمبراطوريتهم.
خريطة تجسد الممتلكات الإسبانية باللون البرتقالي خلال القرن السادس عشر
ملك إسبانيا وامبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة شارلكان
الكونكيستدور الإسبان
الكونكيستدور هرنان كورتيس
الملك الإسباني فيليب الثاني
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة