لا أحد فى مصر لم يشعر بالغضب والحزن على هذا العدد من الضحايا فى حادث قطار محطة مصر، وهو واحد من الحوادث التى تذكرنا دائمًا بأن الإهمال والفساد لايقلان خطرًا عن الإرهاب، والحادث كاشف عن عيوب وثغرات واضحة فى إدارة وتشغيل القطارات. يتطلب عملًا جذريًا يشمل نظام الإدارة والرقابة والعنصر البشرى. لكن هناك خيط رفيع يفصل بين الرغبة فى مواجهة تداعيات الحادث وإنقاذ الضحايا، وتعويضهم، والسعى لمنع تكرار هذه الحادثة البشعة، وبين استغلال مثل هذه الحوادث للمتاجرة بدماء الضحايا وتحويل القضية إلى انتقام وتشويش يضيع القضية والهدف اقتناص أى نقطة. وهو ما بدا فى تحرك إعلام تركيا، لاستغلال الحادث ضمن حالة مزايدة لا يمكن أن تساهم فى مواجهة، حيث لا يمكن أن يكون التزوير والكذب واقتطاع الأحاديث من سياقها وسيلة لمواجهة كارثة بحجم التصادم والحريق.
ولم يكن سعى تنظيم الإخوان إلى التضليل مرتبطًا فقط بحادث القطار، لكنه رافق دائمًا محاكمات منفذى العمليات الإرهابية، ممن تتم إدانتهم بناءً على أدلة ومن خلال محاكمات طويلة تثبت فيها تورطهم. وبالرغم من أن قنوات تركيا تحرض بشكل على الإرهاب وتحتفى بالتفجيرات وتمجد فاعليها، عندما يتم القبض على الإرهابيين تبدأ نغمة أخرى من المظلومية. وهى حملات فشلت مرات وكشفت لشباب الجماعة أنهم مجرد أدوات ووقود تحصل مقابله القيادات على المال والإقامة.
من هنا سعت قنوات تركيا إلى نفى تهمة المتاجرة بالشباب، ودعاء القدرة على الحشد بدعوة بائسة للصفير والضجيج، ضاعت هى الأخرى لكن جاءت حادثة قطار محطة مصر لتبدأ عملية نشر الشائعات والتلاعب فى الصور بل إن المبالغة فى نشر فيديوهات الضحايا والنار تشتعل بهم كانت فى حد ذاتها تعذيبًا إضافيًا لأهالى الضحايا، فضلًا عن أنها تتنافى مع أى شعور إنسانى، ولو وضع كل واحد نفسه مكان الضحايا وأسرهم لا كتشف حجم الجريمة التى ترتكب فى حقهم، ولا تمثل أى نوع من السبق، ولا تساعد فى علاج هذا الخلل الواضح والإهمال الممتد من أعلى لأسفل السلم.
وطبيعى أن تكون هناك وجهات نظر مختلفة وغضب ودعوة لحساب المسؤولين، لكن هذا لايتضمن الاحتفاء بالمصيبة لإرضاء روح التشفى، وحتى عندما كانت هناك معارضة لنظام حكم الإخوان فلم يكن أحد يتعامل مع وقوع كارثة أو تصادم قطار لتحقيق أهداف سياسية من أى نوع، أو المزايدة، وإنما كان الأمر يدخل فى سياق انتقادات واتهامات للمهملين والفاسدين. لكن بالنسبة لتنظيم الإخوان الهدف هو عقاب المصريين. وغالبًا ما يظهر الفرق بين غضب حقيقى نابع من حزن على ضحايا أبرياء يدفعون ثمن الإهمال، وبين رغبة فى الإصلاح، وبين انتهازية هدفها فقط إثبات موقف والظهور فى صورة العلامة الفهامة، وربما لحسن الحظ أن الأغلبية من المعارضين السياسيين تنتبه لهذه الفروق، وتقدم وجهات نظر واضحة من دون التورط بترديد كلام اللجان البائسة لتنظيم أصبح واضحًا أنه يعادى المصريين ولا يعارض رئيسًا أو حكومة.
ثم إن الإفراط فى نشر أخبار وصور وفيديوهات مزيفة أو متلاعب فى تواريخها، يكشف عن عمل منظمة وغالبًا ما يفقد تأثيره بسرعة، مع وضوح آلة التكرار ورائحة التعليمات. ولا أحد ينكر أهمية وتأثير السوشيال ميديا، والتى أصبحت جزءًا من أدوات الإعلام، وفى نفس الوقت بقدر ما هى أداة نشر فهى أيضًا أداة لشن حروب التضليل والتزييف، وخلط الأوراق. ومحاولة صرف النظر عن الهدف الرئيسى، وهو مواجهة حاسمة للفساد والإهمال فى السكك الحديدية وغيرها.