تهمين ظاهرة الإسلاموفوبيا على عقول عدد كبير من المواطنين الغربيين وخاصة فى القارة الأوروبية، وذلك منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 مرورا بالجرائم التى ارتكبتها جماعات إرهابية ضد أبرياء وحتى ظهور تنظيم داعش الإرهابى، والذى عزز هذا الشعور ضد الجاليات المسلمة فى الدول الأجنبية.
وتعريف "فوبيا" فى دراسات علم النفس الإكلينيكى يرمز إلى "الخوف غير المسبب" من أشياء ليست بطبيعتها مخيفة لغالبية الناس، ويعود تاريخ ظهور"الإسلاموفوبيا" إلى عام 1910 "كفكرة مسبقة عنصرية تجاه الإسلام"، وتطورت الفكرة بين أعوام 1999 و2001.
ووفقا لمؤشر التسامح الأوروبى عام 2013، يرفض 70 % من المواطنين الأوروبيين التسامح مع الممارسات الإسلامية والتى تشمل الصلاة، والصوم، وعدم أكل لحم الخنزير، وعدم شرب الخمر، والحجاب، وذلك بسبب الجرائم التى ترتكب باسم الدين فى دول العالم وخاصة الدول الأوروبية.
وتعرضت الجالية المسلمة فى دول الغرب لأبشع أنواع التنكيل بعد انتشار "الإسلاموفوبيا" بالتزامن مع زيادة الأعمال الإرهابية فى عدد من الدول العربية وخاصة فى الشرق الأوسط، وخاصة جرائم تنظيم داعش الإرهابى الذى استقطب عدد كبير من المقاتلين الأجانب الذين نفذوا هجمات إرهابية إلى بلدانهم بعد عودتهم من الأراضى السورية والعراقية.
الجريمة الإرهابية البشعة التى وقعت فى نيوزيلندا اليوم الجمعة تؤكد تزايد ظاهرة "الإسلاموفوبيا" فى المجتمعات الغربية وهو ما يتطلب تعاون مع المؤسسات الإسلامية فى عالمنا العربية، وذلك لتوضيح المفاهيم المغلوطة التى تروجها الجماعات المتطرفة عن الدين الإسلامى عبر مواقع التواصل الاجتماعى أو منتديات تديرها تلك الجماعات.
وتعد دول القارة الأوروبية الأكثر شعورا بـ"الإسلاموفوبيا" خلال السنوات الست الأخيرة، وتسبب الشعور المتزايد لدى بلدان تلك الدول إلى وقوع أعمال شغب واشتباكات كان آخرها اندلاع اشتباكات بين السلفيين من جهة، والشرطة الألمانية ومواطنين ألمان من جهة أخرى، بعد ظهور ما عرف "بشرطة الشريعة"، التى قام بتأسيسها مجموعة من السلفيين المقيمين فى مدينة كولونيا الألمانية، كما دعا نشطاء ألمان إلى تنظيم احتجاجات مماثلة فى مدن ألمانية أخرى.
كان فرنسا فى قلب العاصفة بعد تصاعد "الإسلاموفوبيا" فقد شهدت البلاد تدنيس العديد من المساجد والمقابر الإسلامية وكتابة عبارات مسيئة للإسلام والمسلمين بعد انتشار الجرائم الإرهابية فى المدن الفرنسية، بواسطة مقاتلين فرنسيين عائدين من معسكرات القتال فى سوريا والعراق.
وتصاعدت وتيرة "الإسلاموفوبيا" فى بلدان آخرى من القارة الأوروبية ومنها السلطات السويسرية التى لجأت إلى منع المآذن، وحظر المؤتمرات الإسلامية على أراضيها، وذلك خوفا من تعرض مواطنيها لهجمات من الجماعات الإرهابية التى تستخدم بعض المساجد والمنظمات الإسلامية فى القارة العجوز لاستقطاب الشباب الأوروبى للقتال إلى جانب الجماعات المتطرفة.
وكشفت استطلاعات للرأى صادرة فى الدول الاوروبية خلال الأعوام الخمس الأخيرة تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا بشكل كبير فى الولايات المتحدة الأمريكية ودول القارة الأوروبية، واعتبر غالبية المشاركين فى الاستطلاعات أن الدين الإسلامى هو الدين الأقل تفضيلا فى الدول الغربية، إذ اعتبر نحو نصف الفرنسيين والألمان أن تعاليم الدين الحنيف تتعارض مع قيم مجتمعاتهم، مقابل ثلث الأمريكيين والبريطانيين.
وفى أحدث استطلاع رأى لمؤسسة بريطانية، أكد نصف الشعب الألمانى وجود صراع أصولى بين تعاليم الدين الإسلامى وقيمهم المجتمعية، فيما عبر 45% من المواطنين الفرنسيين عن تصاعد الشعور، فيما عبر 36% من المواطنين الأمريكيين عن وجود صراع بين تعاليم الدين الإسلامى.
وأكد الاستطلاع أن ما عزز الشعور بـ"الإسلاموفوبيا" فى القارة الأوروبية وأمريكا أن غالبية المواطنين الأوروبيين لا يعرفون شيئا عن تعاليم الدين الإسلامى، ولا يعرفون مسلمين بشكل شخصى فى بلدانهم لمعرفة الصورة الصحيحة للإسلام.
وفى خطوة جريئة من مجلس العموم الكندى، وافق النواب الكنديون على مشروع قانون تدعمه حكومة رئيس الوزراء جاستن ترودو، ويتيح الفرصة لاتخاذ إجراءات مستقبلية لمحاربة ظاهرة العداء للإسلام (الإسلاموفوبيا). ورغم أن القانون الجديد غير ملزم إلا أنه يعني تشكيل لجنة برلمانية لدراسة كيفية التعامل مع موضوع الكراهية الدينية.
وأعلن مجلس العموم البريطانى فى عام 2017 موافقته على مشروع القانون الذى يمهد الطريق أمام إجراءات مستقبلية من أجل محاربة ظاهرة الخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا)، ويدعو مشروع القانون الذى تم إقراره بسهولة الحكومة الكندية إلى "إدراك الحاجة للقضاء على المناخ العام المتزايد من الكراهية والخوف" ولإدانة الإسلاموفوبيا وكل أشكال العنصرية والتفرقة الدينية الممنهجة.
ولجأت الحكومة الكندية إلى سن مشروع القانون عقب سقوط عدد من المسلمين قتلى فى هجوم على مسجد فى كييك، فضلا عن تعرض العديد من أماكن العبادة الإسلامية واليهودية فى عدة بلدات بكندا لعمليات تخريب متعمدة.
وأصدر عدد من المتخصصين والباحثين فى ظاهرة "الإسلاموفوبيا" مشروع بحثى جديد عكفوا على كتابته منذ عام 2017، وذلك لمواجهة الإسلاموفوبيا تحت عنوان "أدوات مواجهة الإسلاموفوبيا"، ويهدف المشروع لوضع مجموعة أدوات يمكن استخدامها للتصدى لظاهرة الإسلاموفوبيا، وهو يلخص مجموعة من أفضل الأساليب والأدوات التي يمكن أن تستخدم فى تحدى الفكر والإجراءات المتمثلة في كراهية الإسلام في أوروبا.
ويستند المشروع الذى يقوم عليه مجموعة متنوعة التخصصات من كبار الباحثين بجامعة ليدز البريطانية وجامعات أخرى من بلجيكا والمجر والبرتغال واليونان، إلى منهجية رصينة تتكون من أربع خطوات هى تعريف إجرائي واضح للإسلاموفوبيا، وتوثيق لجرائم الكراهية ضد المسلمين، وتفكيك خطاب الإسلاموفوبيا، ثم إعادة بناء روايات إيجابية وواقعية جديدة حول المسلمين.
المشروع البحثي بدأ بفحص الأفكار الأكثر انتشارًا عن الإسلام والتي تم تداولها في ثمانية بلدان أوروبية هى فرنسا، وبلجيكا، وألمانيا، والمملكة المتحدة، وجمهورية التشيك، والمجر، واليونان، والبرتغال، وقد توصلت إحدى دراسات المشروع إلى خلاصة مفادها أن لغة الإسلاموفوبيا وخطابها تختلف من بلد لآخر، إلا أنها تشترك في النظر إلى المسلمين والممارسات والمواقع الإسلامية، مثل المساجد أو المراكز المجتمعية، باعتبارها عنيفة بطبيعتها، وتهدد وتتعارض مع وجهة نظر ونمط الحياة الأوروبية. ففي فرنسا على سبيل المثال، ينظر البعض إلى ارتداء الحجاب على أنه يعارض القيم العلمانية الفرنسية، وبالتالي فإنه يتعارض مع الهوية الفرنسية.
كان مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية قد أصدر تقريرًا جديدًا مطلع مارس الجارى حول الأسباب الرئيسية لتفاقم ظاهرة الإسلاموفوبيا فى الغرب فى الآونة الأخيرة، وانتشارها خاصة بين فئات الشباب فى المجتمعات الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية.
وأشار المرصد إلى أن ظاهرة الإسلاموفوبيا أصبحت أشد سوءًا فى أوروبا؛ حيث سُجل في بريطانيا وحدها خلال 6 أشهر فقط (608) حادثة مرتبطة بظاهرة "الإسلاموفوبيا" من أصل (685) حادثة مرتبطة بالعنصرية عمومًا في البلاد، ورصد تقرير لمؤسسة حقوقية فى الفترة بين يناير ويونيو الماضيين وقوع 608 حادثة مرتبطة بالإسلاموفوبيا ببريطانيا، مضيفا أن غالبيتها وقعت فى شوارع المملكة المتحدة، مشيرة إلى أن 58% من حوادث الإسلاموفوبيا استهدفت النساء.
وأكد المرصد أن ظاهرة الإسلاموفوبيا تتزايد فى المجال العام الواقعى والافتراضى، حيث أوضح التقرير البريطانى أن 45.3% من الحوادث التي جرى الإبلاغ عنها خلال فترة الرصد، تمت بشكل مباشر بين "الضحية ومرتكب الجريمة، أو أدت إلى تمييز فعلى أو إضرار بالممتلكات".
كما وجد التقرير أن 207 من حوادث الإسلاموفوبيا المذكورة، ارتكبت عبر الإنترنت، أي بنسبة 34% من إجمالى هذه الحوادث. وبحسب التقرير، مثلت حوادث الإسلاموفوبيا المرتكبة عبر تويتر 59% من إجمالي الحوادث عبر مواقع الإنترنت، بينما انقسمت النسبة المتبقية بين فيس بوك ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى.
وأشار المرصد إلى وجود سببين لتفاقم هذه الظاهرة في الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، هما: المتطرفون من جهة، وتركيز وسائل الإعلام الغربية على هجمات المتطرفين المسلمين دون غيرها من جهة أخرى، حيث أشارت دراسة وضعها باحثون بجامعة جورجيا فيما يطلق عليه "قاعدة بيانات الإرهاب" إلى أنه من بين العمليات الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية بين عامي 2006 و2015، شن أشخاص مسلمون 12.5% من هذه الهجمات، لكن حصلت هذه الهجمات على نصف التغطية الإخبارية لجميع الحوادث الإرهابية كما تكشف الدراسة، أكثر بنسبة 357% من التغطية العادية لأي حادث إرهابي آخر، أي أكثر من ثلاثة أمثال ونصف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة