فوجئت مساء يوم الأربعاء الماضى، بسيل من الرسائل على الخاص بـ«فيس بوك» بعث بها أصدقاء، سأنشر جزءا منها مفاده الآتى: «هذه الرسالة هى إعلام جميع مستخدمينا، أن خوادمنا كانت مزدحمة للغاية فى الآونة الأخيرة، لذلك نحن نطلب منك مساعدتك لحل هذه المشكلة.. نطلب من المستخدمين النشطين إعادة توجيه هذه الرسالة إلى كل الأشخاص الموجودين فى قائمة جهات الاتصال الخاصة بك من أجل تأكيد مستخدمى الـFacebook النشطين، وإذا لم تقم بإرسال هذه الرسالة إلى جميع جهات الاتصال الخاصة بك على فيسبوك، سيبقى حسابك غير نشط مع نتيجة فقدان جميع your cont نقل هذه الرسالة.. سيتم تحديث هاتفك الذكى خلال الـ 24 ساعة القادمة، وسيكون له تصميم جديد ولون جديد للدردشة».
وبمجرد أن قرأت الرسالة الخزعبلاية الهلامية الفيسبوكية، التى لاقت تصديقا من عدد كبير من مستخدمى فيسبوك فى مصر، كانت دهشتى الشديدة لعدة أمور:
أولها: الركاكة الشديدة فى صياغة الرسالة، وسألت نفسى، إذا كان الكابتن «مارك زوكربيرج» المالك لـ«فيس بوك» يريد أن يبعث برسالة تحذيرية لمستخدمى منصته، فلا بد أن تكون معلنة، وليست سرية عبر «الخاص»، وأن تكون الصياغة جيدة، ومتماسكة، كونها تعبر عن كيان، المفترض كبير..!!
ثانيا: تضمنت الرسالة مصطلحات ليست لها وجود فى قواميس اللغة العربية، مثل «خوادمنا»، وإذا افترضنا أن هذا المصطلح ترجمة لـ«servers».. فالترجمة خاطئة، فمصطلح «servers» ترجمته «خدمات».. وإذا زدنا من الشعر بيتا، فإن قواميس اللغة تؤكد أن جمع «خدمة» هو «خَدَمٌ وخِدامٌ».. ومن ثم فإنه لا وجود مطلقا لكلمة أو مصطلح «خوادمنا» الواردة فى الرسالة الخزعبلاية المنسوبة لإدارة «فيس بوك»، فى أى قاموس من قواميس اللغة..!!
ثالثا: الرسالة رسخت وبكل لغات العالم، أننا نفتقد فضيلة إعمال العقل على منصة «فيس بوك»، ونخضع وبإرادتنا لغسيل مخ شرسة، والوقوع أسرى الشائعات والأكاذيب، ثم وهو الأخطر، المشاركة بفاعلية فى الترويج لها، والتعامل معها باعتبارها حقائق مسلم بها، وهو الأمر الذى تستثمره بشكل جيد الجماعات والتنظيمات الإرهابية، والحركات الفوضوية، لمصلحتها فى تأجيج الأوضاع فى مصر..!!
رسالة «خوادمنا» التى انتشرت انتشار النار فى الهشيم ليلة الخميس، للأسف وقع فى شِراك الترويج لها، شخصيات مثقفة، وقامات كبرى، ما شكل صدمة عنيفة، خاصة أن الرسالة «الخزعبلية الهلامية» أعقبت بوست تعيين المهندس محمد وجيه عبدالعزيز وزيرا للنقل، منذ أيام، وتعاطى معها شخصيات عامة بارزة، وأبواق إعلامية كبرى، باعتباره خبرا حقيقيا، رغم أن الرجل توفاه الله منذ 10 سنوات، وأن ابنه لجأ لهذه الحيلة ليكشف كوارث مواقع السوشيال ميديا فى الترويج للأكاذيب والشائعات، دون تحقق وتأكد..!!
الشاهد أن الجالسين خلف الكيبورد، يتصفحون، مواقع التواصل الاجتماعى، «تويتر، وفيس بوك»، ويبحثون عن شائعة، أو فيديو أو صورة فوتوشوب، للترويج لها، والتعاطى معها على أنها حقائق، دون تدقيق، فى تقمص شديد لدور الببغاوات الحافظين ولا يفهمون.
نعم، سمات الببغاوات. إنها تردد ما تسمعه فقط، دون تفكير أو تدبير، بينما هناك عدو متربص كل مهامه فى الحياة، الجلوس خلف الكيبورد، واللهث وراء المتناقضات، والشائعات التى تصب فى نفس اتجاهاتهم، وميولهم، فالكارهون للقوات المسلحة المصرية، يروجون الأكاذيب والشائعات المسيئة لها، دون وازع من ضمير وطنى، أو الإحساس بالمسؤولية تجاه أمن بلادهم القومى..!!
ترويج الأكاذيب والشائعات والخرافات، على مواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك وتويتر وإنستجرام»، تستهدف العقل الجمعى المصرى، وإصابته بتشويش خطير، ومراقبة كل خطأ مهما كان حجمه، ومهما كان مجاله، لتحويله إلى أزمة خطيرة، مع وضع بهارات الإحباط والتشكيك والتسخيف، والعمل على تدمير جينات الانتماء للوطن، ليصير المواطن أسيرا للإحباط، ومن ثم يصبح رقما مهما فى معادلة الهدم وإثارة الفوضى.
حملات صناعة الأزمات، متلاحقة ومكثفة، وضاغطة بشكل مرتب ومغلفة بدهاء وخبث شديدين، ومقدمة فى شكل جرعة الخوف على مصلحة المواطن، ومستقبل أبنائه، وتوعيته من السقوط فى مستنقع الكذب والخداع الذى تمارسه الحكومة، وتصدير أن الدولة تهتم بالأغنياء فقط، وتزيد من أعباء البسطاء والغلابة.
والخيبة الثقيلة، أننا نتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعى باعتبارها بيتنا وعائلتنا، وأملاك خاصة، وليست عامة، ودون إدراك حقيقى أن هناك لجانا لأجهزة استخباراتية تركية وقطرية وإسرائيلية، بجانب لجان الجماعات والتنظيمات الإرهابية، يقطنون هذا الكيان الفضائى، يحاولون استدراج الجالسين خلف الكيبورد، ويدسون لهم السم فى عسل الكلام، دون أن يدروا كونهم يتمتعون بقدرات فائقة ومبهرة على الإقناع..!!
«خوادمنا».. مصطلح كشف جهلنا، وأننا ببغاوات، نحفظ ولا نفهم أو نتحقق، ولذلك أدعوكم ونفسى إلى إعلاء شأن فضيلة إعمال العقل، والتحقق من المعلومة، وعدم تصديقها أو المساهمة فى ترويجها..!!
ولك الله يا مصر...!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة