فى عصر الإنترنت بات كل شئ معولم حتى الإرهاب، فالإرهابى النيوزيلندى الذى فتح النار على مصلين فى مسجدين بمدينة "كريست تشيرش" فى نيوزيلندا، خلال صلاة الجمعة، أعلن عن عمليته الوحشية فى فيديو مباشر للجريمة على الإنترنت، كما شارك بيان تفصيلى من 74 صفحة على الإنترنت.
ولم يكتف القاتل، برينتون هاريسون تارانت، صاحب الـ28 عاما، بهذا فلقد قدم شرحا من سؤال وجواب كما لو كان فى حوار صحفى مع جانب آخر لتخيل ردود الفعل، وقال "أنا متأكد أن الصحفيين سيحبون ذلك" ذلك بعد أن رد بـ"نعم" على سؤاله "هل أنت فاشيا؟".
ويبدو أن تارانت أصبح أول قاتل جماعى يصور عملية القتل ، إذ يبدو أن الشاب المتطرف نفسه استوحى فكرته من عالم وسائل التواصل الاجتماعى وإرتكابه الجريمة من أجل ذلك، على أمل أن ينتشر الفيديو والصور وبيانه بشكل واسع من خلال هذا العالم الذى يؤثر فى الشباب.
واستشهد ريد ميلوى، عالم النفس الجنائى ومستشار مكتب التحقيقات الفيدرالى، بعبارة الناشط الروسي ميخائيل باكونين فى القرن التاسع عشر: "الإرهاب هو دعاية للفعل، والإرهابى مهتم دائمًا بجمهوره مثل ضحيته". وأضاف "ولكن وسائل التواصل الاجتماعى تجعل هذا الإتجاه أكثر قوة"، محذرا "أصبحنا مستضيفون للفيروس ونسرع من انتشاره".
ويشير بيان تارانت، المكون من 70 صفحة، والذى نشره على الإنترنت أنه منغمس بشدة فى منتديات القوميين البيض على الانترنت، ويبدو أن لديه أهتماما مفصلاً بالسياسة الأمريكية، وأعرب عن تأييده لترامب كرمز لتجديد الهوية البيضاء وليس من أجل سياساته.
لكن هذه ليست المرة الأولى التى يبث فيها القتلة مقاطع لجرائمهم على وسائل التواصل الاجتماعى، فلقد تكرر الأمر قبلا فى الولايات المتحدة وتايلاند والدنمارك وغيرهم من الدول، بحسب شبكة "سى.إن.إن". ومن ثم يثير فيديو هجوم نيوزيلندا اسئلة حول كيفية تعامل منصات وسائل التواصل الاجتماعى مع المحتوى المسئ.
أقالت لوسيندا كريتون، كبير المستشارين فى مشروع مكافحة التطرف: "بينما يقول كل من Google و YouTube و Facebook و Twitter جميعهم أنهم يتعاونون ويتصرفون بما يحقق مصلحة المواطنين لإزالة هذا المحتوى، فإنهم فى الواقع لا يفعلون ذلك، لأنهم يسمحون لمقاطع الفيديو هذه بالظهور طوال الوقت".
يبدو أن أدوات الذكاء الاصطناعى والموجهين البشريين على فيس بوك لم يتمكنوا من اكتشاف البث الحى لإطلاق النار، وتقول الشركة إنها تم تنبيهها إليها من قبل شرطة نيوزيلندا.
ودعا مستشار سابق للحكومة البريطاينة إلى مواجهة خطاب الكراهية الذى تروج له وسائل التواصل الإجتماعى، من خلال قوانين وضوابط على هذه الوسائل التى تتمتع بالنفوذ والحرية، ذلك ردا على حادث إطلاق النار الذى استهدف مصلين فى مسجد بنيوزيلاندا وقيام مرتكب الهجوم ببثه مباشرة من خلال فيديو على الفيس بوك.
وكتب مدثر أحمد، فى مقال بصحيفة "يو إس إيه توداى"، اليوم السبت، إن وسائل التواصل الإجتماعى تمثل شريان الحياة لليمين المتطرف وغيرهم. وقال بصفتى مستشارًا سابقًا لحكومة المملكة المتحدة بشأن الكراهية المعادية للمسلمين، أدرك تمام الإدراك أن عمالقة وسائل الإعلام الاجتماعية يتحملون مسؤولية كبيرة لمنع ووقف خطاب الكراهية المنتشر على الإنترنت.
ودعا إلى إنشاء نظام مكافآت منظم للمستخدمين للإبلاغ عن حالات الإساءة أو الكراهية عبر الإنترنت، فى الوقت الحالى، غالباً ما تقع المسؤولية على عاتق الضحايا أو الخوارزميات"، وأضاف "نحتاج أيضًا إلى إجراء أبحاث على الروابط بين عدم الكشف عن الهوية والإساءة عبر الإنترنت. يجب أن تقوم منصات وسائل التواصل الاجتماعى أيضًا بتطوير أساليب تشجع التحقق من الهوية."
واقترح فرض ضريبة على شركات التواصل الاجتماعى الضخمة لجمع الأموال لصالح مبادرات محو الأمية الرقمية ومناهضة التمييز، بالإضافة إلى توفير الموارد لمساعدة قوات الشرطة التى تعانى من نقص التمويل التى تكافح الكراهية عبر الإنترنت.
وأشار إلى أنه عندما اقترح عضو مجلس الشيوخ والمرشحة الرئاسية الأمريكية إليزابيث وارين، تفكيك عمالقة التكنولوجيا بسبب ممارساتهم الاحتكارية، كان هذا جزئيًا بلا شك بسبب إدراكها أن عمالقة وسائل الإعلام الاجتماعية تعمل دون عقاب، إذ يتعين على شركات مثل Facebook و Google أن تفهم أن رفض الاعتراف ومواجهة التطرف والإساءة والمضايقة على الإنترنت وخطاب الكراهية ، لن يؤدى إلا إلى زيادة تحيز الرأى العام ضدهم.
تضامن مع المسلمين
وتابع أحمد "إننا قدمنا وسائل التواصل الاجتماعى على أنها قوة تحرير عظيمة، وليس من المستغرب أن يكون المفسدون هم الذين تم تحريرهم وأن هذه المنابر أستفادت من ذلك".
ومضى قائلا : إن الإرهابيين من داعش وصولا إلى القوميين البيض سارعوا لإدراك هذه الإمكانات فى نشر الكراهية التى مثلها مثل كل أشكال التعصب لها عواقب.
وختم بالقول "عندما تحرك دائرة الخطاب العام نحو مزيد من العدوان، فإنك تفتح الباب أمام الأفراد لترجمة غضبهم إلى أعمال عنيفة، ويوم الجمعة، فى زاوية سلمية لأمة مسالمة للغاية، رأينا عواقب وخيمة".