انتهت منذ قليل الجلسة الثانية المنعقدة فى إطار فعاليات المؤتمر الدولى "ثورة 1919 بعد مائة عام"، والذى أطلقه المجلس الأعلى للثقافة بأمانة الدكتور سعيد المصرى وترأس الجلسة الدكتور جمال شقرة، وشارك فيها كل من الدكتور أحمد زايد، والدكتور أحمد زكريا الشلق، والدكتورة سونيا التميمى، والدكتور عمرو عبد المنعم.
بدأ الحديث الدكتور جمال شقرة، رئيس الجلسة ومقرر لجنة التاريخ بالمجلس، مؤكدًا أن ثورة 1919 تعد واحدة من أهم ثورات الشعب المصرى فى تاريخه الحديث والمعاصر، حيث انفجرت خلالها الجماهير الغاضبة ضد سلطة احتلال الإمبراطورية البريطانية التى كانت تتحكم فى النظام السياسى العالمى ومقدرات العالم آنذاك، حتى وصفت بأنها الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس، وأوضح أن الشعب المصرى ثار مجددًا بعدما انتكست حركته الوطنية بعد فشل ثورة أحمد عرابى ورفع شعار "الاستقلال التام أو الموت الزؤام"؛ فكانت ثورة 1919 ثورة شاملة وقومية وليبرالية فى آن واحد، ولم تكن ثورة دينية حيث وقفت الأمة المصرية بجميع طبقاتها وفئاتها وطوائفها وشرائحها، من فلاحين وباشوات ومتعلمين وأميين، مسلمين وأقباط، رجال ونساء، وشارك الجميع بشجاعة من أجل تحقيق الاستقلال لمصر.
ومن جانبه تناول الدكتور أحمد زايد، أستاذ الاجتماع والأنثروبولوجيا، ما قدمته نخب التحرر من جهود فى مواجهة الاستعمار، حيث شكلت عنصرًا أساسيًّا فعالًا فى قضية تحرير مصر ورفع الحماية البريطانية عنها، مؤكدا أن ثورة 1919 جاءت تعبيرًا عن غضب الشعب المصرى، وإدراكه لمتطلبات مستقبل وطنه، ومن هذا المنطلق نشأ تضامن المصريين مع مساعى التحرر من الاستعمار، بقيادة زعيم الأمة سعد زغلول.
ثم جاءت كلمة الدكتور أحمد زكريا الشلق، الذى دار حديثه حول ما طرحه بورقته البحثية وعنوانها: "قراءتان عن سعد زغلول"، وأشار إلى أنه تناول فيها قراءتان لكتابين من أهم الكتب التى اهتمت بمسيرة الزعيم سعد زغلول، ودوره فى محاولة لتفسير رؤية كل منهما ومنهجه فى التأليف، مما يخضع دور الزعيم لإعادة النظر والتحليل، وتابع موضحًا أن الكتابان هما كتاب الاستاذ عباس محمود العقاد سعد زغلول "سيرة وتحية"، الذى صدر فى أكثر من ستمائة صفحة عام 1936، والآخر كتاب مكون من جزأين وهو "سعد زغلول ودوره فى السياسة المصرية" وقد صدر فى عامى 1971 و1973 ويبلغ أكثر من ثمانمائة صفحة، وأكد أن الورقة لا تهدف للبحث عن حقائق تتعلق بسعد زغلول؛ بل إنما تهدف إلى تفسير ورؤية وتحليل لدوره من خلال إعادة القراءة لهذين العملين الكبيرين، وأكد أنه فى تقديره تستند القراءة للعملين إلى المنهج العلمى بموضوعية وعقلانية دون شىء آخر، كما تطرح الورقة عددًا من الأسئلة حول المؤلفين والعملين من قبيل: ما صلة المؤلفين بسعد زغلول وتاريخه وكيف نشأت صلتهما به؟ وما تاريخ ذلك وصلته بالمناخ العام الذى وضعا فيه؟ وما دلالة العنوان الذى وضعه كل منهما لكتابه؟ وما هدف كل منهما ومصادره ومنهجه فى التأليف والدراسة، وأخيرا ما الرؤى التى قدمها كل منهما وما النتائج التى ترتبت عليها؟
فيما تحدثت الدكتورة سونيا التميمى، حول مضمون ورقتها البحثية التى جاءت تحت عنوان: "صراع الذاكرة : توظيف سعد زغلول وثورة 1919 فى انقسامات الوفد : قراءة فى تاريخ روز اليوسف"، وأشارت فى بداية كلمتها إلى أن عام 1935 قد شهد معارضة مجلة روز اليوسف لسياسة حزب الوفد؛ وذلك برغم كونها محسوبة عليه، وكان حزب الوفد يمثل حزب الأغلبية وصاحب الشرعية آنذاك، وتأصل الخلاف حول الموقف من حكومة توفيق نسيم التى تماطل فى إرجاع العمل بالدستور، فأخرجها مصطفى النحاس فى بيان علنى من صف المجلات الناطقة باسمه؛ لتجد المجلة نفسها فى صف الأقلية غير الشرعية التى طالما سخرت منها كل هذه السنوات! وتابعت الدكتورة سونيا موضحة أنه بعد هذا الحدث بسنتين وتحديدًا سنة 1937، حدث انشقاق فى صلب حزب الوفد بخروج اسمين لامعين منه، وهما: أحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشى، وبدأت بين الوفد والمنشقين صراعات على الشرعية بتوظيف ذكرى سعد زغلول وثورة 1919، وواصلت كلمتها مشيرة إلى أنها اعتمدت على التركيز فى الورقة البحثية خاصتها على طبيعة وأساليب توظيف ذاكرة سعد زغلول، وما يمثله من مبادئ ثورة 1919 من قبل ورثته السياسيين من خلال تحليل أو تفكيك خطاب الشرعية فى محطات مختلفة من تاريخ مصر، يبرِز الاهتمام بالتموقع الزمنى لخطاب ماهية العوامل المختلفة التى أسهمت فى إنتاج المعنى؛ لرصد تطور صورة سعد زغلول ودوره فى ثورة 1919 كما وصفته مجلة روز اليوسف فى العشرينيات، ثم فى ظرف آخر مفصلى من تاريخ الوطنية المصرية وهو منتصف الثلاثينيات، بعد أحداث 1935 وتوقيع معاهدة 1936. واختتمت كلمتها بالتساؤل حول ماهية مجموعة العوامل المتحكمة فى التصورات عن الماضى، التى تحدد ما يجب التركيز عليه والسكوت عنه فى الحاضر؟ فكل صورة للثورة ولدور سعد زغلول فيها هى رواية يجب قراءة استراتيجيتها السردية، وكذلك خطاب يتموقع فى تسلسل زمنى محدد.
وجاءت مشاركة الدكتور عمرو عبد المنعم، الذى قدم ورقة بحثية بعنوان: "موقف تيار الإسلام السياسى من ثورة 1919 وسعد زغلول"؛ حيث أشار فى بداية حديثه إلى اعتماد نظرة الجماعات الإرهابية المتطرفة لثورة 1919 على أنها تمثل بواكير الحقبة العلمانية، وبداية تنحى الشريعة الإسلامية وانتشار السفور والدعوة إلى تحرير المرأة؛ لذلك يقفون موقفا سلبيًا فى نظرتهم إلى ثورة 1919، ويعتبرونها الحقبة التى ساد فيها الانحلال الدينى والدعوة إلى تنحى الشريعة عن الحكم. كما ينظر قادة ومنظرو هذه الجماعات نظرة سلبية إلى الزعيم الوطنى سعد زغلول؛ كونه بدأ التحرر الوطنى بدعوة خروج النساء للعمل والدعوة إلى المساواة بين الرجل والمرأة، بدوافع غربية وبدعم من الإنجليز وخلفهم اليهود كما كانت بداية حقبة ثورة 1919 تقديم شعار "يحيا الهلال مع الصليب"، وهو ما تجسد بالفعل فى الوحدة الوطنية، وهو ما تراه هذه الجماعات مخالفا لمفاهيم الولاء والبراء فى الإسلام.
كما أشار الدكتور عمرو عبد المنعم إلى عدم مناقشة دعاة الإسلام السياسى لموقف سعد زغلول من كتاب "الإسلام وأصول الحكم" لعلى عبد الرازق، ولم ينظر دعاة التطرف إلى موقف سعد زغلول من كتاب "الشعر الجاهلى" لطه حسين، وقدموا سعد زغلول على أنه شارب للخمر ومحرر النساء فى ميدان التحرير، وهذا هو موقف محمد قطب شقيق سيد قطب فى كتابه "واقعنا المعاصر"، وهذا موقف سفر الحوالى من سعد زغلول فى كتابة "العلمانية"، وهذا هو موقف هانى السباعى الهارب إلى لندن من سعد زغلول ورفاقه فى ثورة 1919.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة