سلط حادث نيوزيلندا الإرهابى- الذى راح ضحيته 51 مسلما فى عمليتين استهدافتا مسجدين للمصليين يوم الجمعة الماضى- الضوء على تنامى ظاهرة "إسلاموفوبيا"، والتى تفسر بأنها حالة خوف مرضي من الاسلام والمسلمین ینتج عنه سلوك معاد یشمل اعتداءات لفظیة وجسدیة على المسلمین، وكذلك الاعتداء على المساجد والمقابر والمراكز الدینیة، إضافة إلى تشویه صورة الإسلام ورموزه.
وبالنظر إلى عاملين أولهما تنامى هذه الاعتداءات فى السنوات الأخيرة لاسيما مع صعود تيار اليمين السياسى المتشدد فى الغرب من جهة، والممارسات البشعة للتنظيمات الارهابية من أمثال داعش والتنظيمات المسلحة والتى انعكست سلبا على الجهود المبذولة لمحاربة الاسلاموفوبيا، يرى الباحثين أن ثمة رابطا أدى إلى تفاقمها السنوات الأخيرة بل وحذر منها كثيرين، خاصة وأن خطاب اليمين سعى بشكل حثيث لتوظيف الوضع الدولى المترتب على هجمات 11 سبتمبر 2001 واتسم بالمعاداة للإسلام.
من جانبه حذر إبراهيم هوبر، مؤسس ومدير مجلس التعاون الإسلامي الأمريكي، فى مقابلة مع صحيفة الإندبندنت البريطانية نشرت فى ديسمبر 2017، من تزايد الكره للمسلمين في أمريكا بسبب تصرفات وسياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وقال هوبر إن: "المسلمين باتوا عرضة للكراهية والتعصب ضدهم، والإسلاموفوبيا أكثر بكثير مما كانوا عليه بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر".
وبعد إتمام ترامب لسنة كاملة في الحكم، قال هوبر إن كثيرا من المسلمين باتوا يخشون من إظهار أو ارتداء رموز دينية في العلن، وأضاف: "إن الأمر ليس فقط المسلمين الأمريكيين الذين يشعرون بالقلق في ظل إدارة ترامب، فالمتعصبون لتفوق العرق الأبيض باتوا أكثر جرأة تحت إدارته".
وقال هوبر: "إن سياسات ترامب أثارت مخاوف كثيرين، ليس فقط من المسلمين بل أيضا العديد ممن هم من أصول أفريقية إضافة للأقليات"، وعد هوبر أن حظر السفر للمسلمين والحملة ضد المهاجرين غير الحاملين للوثائق اللازمة هي أوضح أمثلة على ذلك.
وخلص هوبر إلى أن سلوك ترامب وسكوته عن بعض الممارسات التي صدرت عن بعض المتعصبين للعرق الأبيض، قد جعلت هؤلاء أكثر جرأة في المجاهرة بعدائهم لغير البيض والأقليات، وأن الوضع بذلك يبدو أسوء مما كان عليه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لأن "تلك الأصوات العنصرية المتعصبة لم تكن تجاهر بعنصريتها، أما الآن فقد باتت تفاخر بها".
نمو الخطاب السياسى اليمينى المتطرف فى الغرب وارتفاع الاعتداءات على المسلمين، يؤكد تلك الفرضية التى تقول أن القوى الیمینیة هى الأكثر تورطا فى الترويج لخطاب الكراهية ضد الإسلام والمسلمین سواء لدوافع دینیة أو لمصالح سیاسیة، ويذهب تقرير اعدته الهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الانسان فى منظمة التعاون الاسلامى تحت عنوان (مكافحة الاسلاموفوبیا: جهود غیر مكتملة) إلى أن "القوى العلمانیة هى الأخرى لیست بریئة من تهمة التشویه المتعمد بل إن عداؤها للإسلام مزدوج لأنه یجمع بین أیدلوجي رافض للدین على العموم من جهة، ونظرة دونیة للإسلام من جهة للأیدلوجیة العلمانیة دین متخلف عنیف مناقض للحریة من جهة أخرى".
ويؤكد أسامة الهتيمى الباحث فى الشئون الاسلامية "لليوم السابع"، على ضرورة توظيف زخم جريمة نيوزيلندا الشنعاء قائلا "ليس من شك في أن هذه الجريمة الشنعاء التي جرت بحق المصليين المسالمين سيكون لها تداعياتها السياسية والإعلامية الكبيرة والتي ستشكل في نهاية الأمر زخما نادرا ما يكون في صالح المسلمين ومن ثم فإنه لزاما أن يحسن المسلمون استخدام هذا الزخم للرد على كل حملات التشويه التي جرت بحق الإسلام والمسلمين طيلة السنوات الماضية خاصة تلك التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 حيث تفجير برجي التجارة العالمية في أمريكا والتي أعقبها قيام أمريكا بغزو كل من أفغانستان 2001 والعراق 2003 ".
ورأى الهتيمى أن هذا التوظيف يحتاج إلى كثير جهد على المستويين السياسي والإعلامي حيث ضغط اللوبيات العربية والإسلامية المتواجدة في بلدان الغرب من أجل سن قوانين وتشريعات تجرم الاعتداء أو حتى إبداء مظاهر عنصرية وتمييزية بحق المسلمين والتأكيد على أن الإرهاب والعنف والتطرف ليست ظواهر إسلامية خالصة وإنما هي ظواهر بشرية تتصاعد وتتنامى وفق ظروف وملابسات خاصة.
وتابع "في اعتقادي الموقف العدائي من الإسلام والمسلمين في الغرب هو ظاهرة لها ديمومتها واستمراريتها وإن خفت صوت هؤلاء المتطرفين في بعض الحقب الزمنية لاعتبارات داخلية في الغرب أو أن هذا العداء اتخذ أشكالا أخرى تجاهلنا بقصد أو بدون قصد اعتبارها أشكالا من العداء حيث تمثل ذلك في الاحتلال الغربي للكثير من البلدان العربية والإسلامية لفترات زمنية طويلة مارس خلالها كل أنواع الانتهاكات بحق الإسلام والمسلمين".
وقال الهتيمى، أن وجود بعض التنظيمات المتطرفة والعنيفة والمحسوبة على الإسلام كتنظيم داعش ساهم بشكل كبير في بلورة المتبنون لظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب آليات عدائية مشابهة لتلك التي اتبعتها هذه التنظيمات فلم تعد تكفيهم سياسات أنظمتهم التي كانوا يجدوا فيها الكفاية كونها كانت تمارس حالة من الهيمنة على البلدان الإسلامية إذ رأوا أن تلك الهمينة لم تمنع من وصول أيادي التنظيمات الإسلامية لهم سواء في البلدان الإسلامية أو حتى في عقر ديارهم وهو ما استلزم أن يكون لهؤلاء ردود فعل تشبه إلى حد كبير سلوك تلك التنظيمات.