استقبل بيت الرواية فى تونس، فى تظاهرة الجهات التى خصصت لولاية منوبة، عددا من المساجين، والذين قدمهم الشاعر الجليدى العوينى، وقدموا أمسية شعرية بقصائدهم التى فاجأت الجميع بعمقها وجماليتها العالية.
بيت الرواية يستضيف شعراء السجون
الأمسية حضرها وزير الشؤون الثقافية، الدكتور محمد زين العابدين، وعدد كبير من المسؤولين بوزارة الثقافة ومحافظ ولاية منوبة، وهو برنامج لاستقبال ثقافة كل المحافظات التونسية فى مدينة الثقافة بدأ منذ انطلاقتها مارس الماضى.
وقدم الفنان مراد عمارة، مندوب الثقافة بمحافظة منوبة، المبادرة واعتبر أنها ضمن مبادرات تقوم بها وزارة الشؤون الثقافية للتغلغل داخل السجون وتمكين المساجين من حقهم فى الثقافة، حيث تعرض الأفلام والمسرحيات داخل السجون وتنظم ورشات الكتابة.
بيت الرواية يستضيف شعراء السجون
والجليدى العوينى المشرف على تكوين المساجين، قال للمساجين: "عادة الكتابة تدخل الكتاب إلى السجن لكن الكتابة هذه المرة ستخرجكم من السجن، هكذا استقبل المساجين الشعراء بالتصفيق الحار من جمهور بيت الرواية الذى تفاعل مع قصائدهم التى طغى عليها الهواجس الذاتية كالفقد والظلم والأمل.
كمال الرياحى مدير بيت الرواية فى تونس
وقدم الكاتب كمال الرياحى، مدير بيت الرواية اللقاء بكلمة قال فيها: "لأن هذا البيت الذى يبدو مختصا فى فن الرواية اخترنا برنامجه مختلفا عن الضوابط وجعلنا الحدود مرنة بين الأجناس الأدبية والفنون والفكر ورفعنا عبارة محمود المسعدى "كل شيء قصة" شعارا له، نستقبلكم اليوم، ونستقبل تجربة حياتية وإبداعية استثنائية سهر عليها رفاقنا فى ولاية منوبة: شعراء السجن، والحق أننا بذلك نعطى بعدا آخر لمكاسبنا الثورية والثقافية فى هذا البلد.
وزير الثقافة التونسى فى تظاهرة أيام منوبة فى مدينة الثقافة
وتابع كمال الرياحى: لم تكن المؤسسة السجنية غريبة أبدا عن الأدب والثقافة، فكما احتضنت كبار الكتاب فى العالم قسرا بسبب مواقفهم المناهضة للأنظمة فى العالم وخرج منها الكتاب ليكتبوا لنا عن تجاربهم فإنها كانت منبع أعمال إبداعية خالدة، وليس من باب المصادفة أن تكون انطلاقة الرواية الحديثة برواية وليدة تجربة السجن التى عاشها الإسبانى ميجيل دى سيرفانتس - صاحب دون كيخوته - أثناء اعتقاله من قبل القراصنة لمدة خمس سنوات بالجزائر سنة 1575.
بيت الرواية يستضيف شعراء السجون
وليس مصادفة أن تكون رواية "شرق المتوسط" للراحل عبد الرحمن منيف، واحدة من أهم الروايات العربية منذ نشأتها، أو أن تكون "الفراشة" لهنرى شاريير رائعة الرواية الفرنسية.
وزير الثقافة التونسى فى تظاهرة أيام منوبة فى مدينة الثقافة
وأضاف كمال الرياحى: ومن ذا من قراء دوستوفيسكى يمكنه أن ينسى رواية "مذكرات من بيت الموتى"، أو "المجموعة 778" لتوفيق فياض، ومن ذا من القراء يمكنه أن يخرج سالما من قراءة كتاب "السجينة" للمغربية مليكة أفقير أو "يوميات الواحات" لصنع الله إبراهيم، أو كتابات عبد القادر الشاوى من المغرب أو رواية "القوقعة" للسورى مصطفى خليفة، عرفنا تلك الكتابات أيضا من عوالم سجوننا التونسية والعربية، جلبار النقاش، سمير ساسى، كمال الشارنى، فتحى بالحاج يحيى، البشير الخليفى، الصدق بن مهنى، من تونس، مصطفى خليفة من سورية، صنع الله إبراهيم، نوال السعداوى وأحمد فؤاد نجم من مصر، أحمد المرزوقى، ومليكة أفقير من الغرب".
تظاهرة أيام منوبة فى مدينة الثقافة
ورأى كمال الرياحى أنه الغائب عنا ونحن نحصى أدباء السجون فى العالم العربى والعالم أن المؤسسة السجنية نفسها نشأ فيها مبدعون كبار بسبب التأمل فى الذات واحتكاك المساجين بآخرين من مستويات ثقافية أخرى.
وزير الثقافة التونسى فى تظاهرة أيام منوبة فى مدينة الثقافة
وأضاف كمال الرياحى: لعلى فى هذا اللقاء البهيج مع تجربة شعراء السجن بمؤسسة المرناقية، بإشراف الصديق الشاعر الجليدى العوينى، أكتفى بالإشارة إلى بعض الطرائف الرائعة فى علاقة السجن بالأدب وكيف كان السجن سببا فى اكتشاف نوابغ أدبية.
وزير الثقافة التونسى فى تظاهرة أيام منوبة فى مدينة الثقافة
محمد شكرى صاحب "الخبز الحافى"
المثال الأول الكاتب العالمى المغربى محمد شكرى، صاحب رائعة "الخبز الحافى" والذى قاده القدر يوما ليقبض عليه بالصدفة فى مظاهرة اكتشف بعدها أنها مظاهرة منددة بالاستعمار الفرنسى، ولكن فى السجن تعرف على معلم كان من ضمن المعتقلين واستغرب أنه أمى لا يتقن الكتابة والقراءة وهو فى سن العشرين وهناك بدأ يعلمه الأبجدية وعندما اكتشف أن محمد شكرى ليس من ضمن المتظاهرين، أطلق سراحه، ولكنه حمل معه خطابا من المعلم المعتقل لزميله فى مدرسة ابتدائية حتى يقبله فى فصله، وبعدها تخرج شكرى معلما وأصبح كاتبا عالميا.
وزير الثقافة التونسى فى تظاهرة أيام منوبة فى مدينة الثقافة
المثال الآخر، هو عبد الحفيظ بن عثمان، دخل السجن بتهمة السرقة لأول مرة فى عمر لا يتجاوز 16 عاماً، مدشناً بذلك علاقة حميمية بالسجون ستلازمه طيلة حياته.
هذا الرجل عرفته عديد من سجون فرنسا منذ سنوات إذ كان يتردد عليها بنفس التهم تقريبا، السطو المسلح على البنوك، حكم عليه مرة بـ 7 سنوات كاملة، فى السجن قادته نصيحة من سجين أن يجرب كتابة الرواية البوليسية وتحول منذ ذلك الوقت إلى كاتب شهير حيث استثمر فى كتابته كل حيله التى كان يحبكها للسطو على البنوك، صدرت كتابه "المجانين" عن دار "ريفاج"، أكبر وأهم دور النشر المتخصصة فى "الرواية البوليسية السوداء"، بتقديم خاص من الكاتب البريطانى روبن كوك كما يذكر ذلك الكاتب المغربى عبد الله الصالحى.
وأشار كمال الرياحى إلى أن السجون الأمريكية أخرجت العديد من الكتاب الكبار الذين بلغ صيتهم العالمية، ومن هنا نعتبر هذه المبادرة بادرة حضارية يمكن أن تثمر الكثير لو تواصلت من خلال ورشات الكتابة فى كل الأجناس الأدبية كالقصة والرواية والسير الذاتية وفن اليوميات والمذكرات لعلنا نفوز بمبدعين آخرين يؤسسون مشهدنا الإبداعى التونسى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة