بالرغم من أن وجود المحكمة الدستورية العليا يرجع رسميا إلى عام 1969، ثم تم النص على وجودها من خلال دستور 1971، إلا أن فكرة الرقابة على دستورية القوانين ترجع إلى أبعد من هذه التورايخ.
فقد كانت هناك مطالب لرقابة القضاء على دستورية القوانين فى مصر قبل أن يتم تقنين الأمر تشريعيا أو دستوريا بالنص على وجود المحكمة فى دستور 1971، وقد مرت هذه الفكرة بمراحل تاريخية عديدة، كما أنه وجدت أحكام قضائية تحدثت صراحة عن فكرة الرقابة على دستورية القوانين، فظهرت على سطح الحياة القضائية لأول مرة مسألة ما لدى القوانين من دستورية عام 1924 أمام محكمة جنايات الإسكندرية، وذلك أثناء نظرها للطعن المقدم من هيئة الدفاع الخاصة بمجموعة من المواطنين وجهت إليهم النيابة العامة تهم بنشر أفكار ثورية تطالب بتغيير الحياة السياسية والاجتماعية فى مصر، وذلك فى المدة ما بين عامى 1923 و1924 فى الإسكندرية ومدن أخرى، فحكمت المحكمة حضوريا على المتهمين بالسجن ثلاث سنوات استنادًا إلى المادة 151 من قانون العقوبات، فطعن دفاع المتهمين على هذا الحكم على أساس أن المادة المذكورة تخالف المادة 14 من الدستور.
حكم أخر بعدها عام 1925 ، حين صدر تعديل لقانون الانتخابات أثناء فترة حلّ البرلمان ، فرفض بعض العمد والمشايخ استلام الدفاتر الخاصة بالانتخاب وقاموا بالإضراب عن العمل، فأمرت النيابة العامة بسرعة ضبطهم وإحضارهم وتقديمهم للمحاكمة بتهمة عدم تنفيذ الأوامر الحكومية الصادرة إليهم .
وهنا دفع محامو المتهمين بأن قانون الانتخابات المعدل غير دستورى، لصدوره أثناء غيبة البرلمان، وعليه فإن امتناعهم عن عمل نشأ من هذا القانون غير المشروع أمرا لا يصح معاقبتهم من أجله، فحكمت المحكمة حضوريا عام 1926 بتغريم كل من المتهمين مبلغ عشرة جنيهات مصرية فقط لا غير، لمخالفتهم الأوامر الرسمية التي صدرت إليهم.
وضمت المحكمة فى منطوق حكمها أثناء نظرها للطعن بعدم دستورية قانون الانتخابات، "ان للمحاكم أن تمتنع عن تنفيذ قانون لعدم دستوريته، وبدون أن يغير ذلك من قيام القانون المذكور واحتمال أن تحكم محاكم أخرى بدستوريته".
وفى عام 1941 أصدرت محكمة مصر الأهلية حكما تاريخيا يقضى بحق المحاكم فى الرقابة على ما لدى القوانين من دستورية، وذلك انطلاقًا من وجود قانونين يجرى العمل بهما ، فهناك القانون العادى الذى تسير به الأمور فى المحاكم ويستخدمه القاضى لحل النزاعات المعروضة أمامه، وهناك الدستور وهو أعلى القوانين. وهنا إذا تعارض نص من نصوص القانون العادى مع نص من نصوص الدستور، يجب على القاضى في هذه الحالة ترجيح النص الدستورى على نص القانون العادى، لسمو ومكانه الدستور.
أما عام 1948 صدر حكم اعتبره الكثيرون مسار تغيير جذرى لرقابة القضاء على دستورية القوانين المتداولة ، وذلك نتيجة لجهود فقهاء القانون فى مصر من أجل رقابة القضاء على ملائمة القوانين للدستور، وصدر الحكم من محكمة القضاء الإدارى، وبعد هذا الحكم صار واضحا مدى أحقيّة القضاء فى التصدى للقوانين غير الدستورية.
وأسست المحكمة حكمها السابق على أساس أن القانون المصرى لا يمنع، شكلاً أو موضوعًا، المحاكم المصرية من تولى مهام الرقابة المطلوبة، فالرقابة بهذا الشكل تعد خير تطبيق لمبدأ الفصل بين السلطات.
بعد قيام ثورة يوليو 1952 وأثناء وضع دستور جديد بدلا من دستور 1923 كان مخطط النص على إنشاء "محكمة عليا" تكون لها سلطة الرقابة على دستورية القوانين، لكن لم يحدث ، وكان ذلك المشروع يمثل أول محاولة تتحقق على الواقع العملى لإنشاء المحكمة العليا فى مصر تبسط رقابتها على القوانين.
وكان المشروع قد حدد عدد قضاة المحكمة العليا المزمع تأسيسها بألا يتجاوز تسعة قضاة بأي حال من الأحوال، وأن يتم اختيار هؤلاء القضاة من بين أساتذة القانون بكليات الحقوق المصرية ومن مستشارى المحاكم الأخرى ومن المحلفين لدى محكمة النقض المصرية. ولكن تم إجهاض المشروع ولم يخرج للنور فى الدستور الجديد.
عام 1969 كان هو التأريخ الرسمى بالبدء الرقابة على دستورية القوانين من خلال محكمة سميت "المحكمة العليا" تتولى هذه المهمة ، وهو القرار الذى أصدره الرئيس الرحل جمال عبد الناصر.
ثم ظهرت تسمية "المحكمة الدستورية العليا"، بصدور دستور 1971، والذى نص على أنها هيئة قضائية مستقلة تنظّم رقابة دستورية القوانين.
يذكر ان المحكمة الدستورية العليا تحتفل خلال الأيام المقبلة بمرور 50 عاما على نشأة القضاء الدستورى المصرى.