منذ مشاهدتى لفيلم «بوهيميان رابسودى» الذى قام ببطولته الفنان المصرى الأصل رامى مالك، مجسدًا شخصية المطرب العالمى «فريدى ميركورى»، وأنا أتساءل: لماذا نهدر كنوزنا الفنية والتاريخية الكبيرة، ونتفرغ للتفتيش فى النوايا فحسب، وادعاء أن منح «مالك» جائزة الأوسكار جاء وفق مؤامرة لترويج الشذوذ فى العالم العربى، ولماذا إذا كان العالم يتآمر ضدنا ويصدر لنا قيمه المغرضة حسب اعتقاد البعض لا نتآمر نحن لصالح أنفسنا ونصدر لأنفسنا وللعالم قيمنا العظيمة؟
تمتلك مصر قوة درامية مهولة، تمتلك آلاف القصص التاريخية المحبوكة، تمتلك رصيدًا عصيًا على الجمع وعصيًا على الإحصاء، كما تمتلك سير ذاتية عظيمة لكبار الفنانين والعلماء والأدباء، لكنها مع هذا، تترك تاريخها كله وتتفرغ لاستعراض حياة البلطجية والأنذال والأوباش رغبة فى مضاعفة الإيرادات، وليس رغبة فى بناء الشخصية المصرية المنتمية إلى تاريخها وحضارتها.
على الجانب الآخر، وفى أمريكا، لا يمر موسم سينمائى إلا وترى فيلمًا عن مصر أو تاريخها أو إحدى قصصها الدرامية المخفية فى التاريخ، من الصعب أن تحصى كم مرة تذكر مصر فى أفلام هيوليوود، وكم مرة تناول أحد تاريخها، وكم مرة خصصت أفلام لها، من الصعب ألا تلمح ذكر الأهرام أو ينعدم الاستشهاد بإحدى القصص التاريخية أو أحد المواقف الخالدة، يلح السؤال: لماذا نهجر تاريخنا كل هذا الهجران ثم نشتكى من أن الأجانب لا يتناولون تاريخنا بما تمليه شروط الإنصاف؟
إن لم تفعل شيئًا لنفسك بمعطياتك، لا تلوم أن يفعل الآخرون بمعطياتهم، وأصحاب اليد العليا هم السائدون، أصحاب الفنيات الأعلى هم الرابحون، يقف العالم كله أمام إيران، لكنه لم يستطع الوقوف أمام سحر أفلامهم، يقف الوطن العربى كله ضد تركيا، لكن البيوت العربية تشاهد مسلسلاتهم، على ما بها من أكاذيب، فلماذا نغيب عن تاريخنا ولماذا يغيب تاريخنا عنا؟
فى السابق وقت أن كانت وزارة الثقافة لها سياسة واستراتيجية وخطة وكانت تضم تحت لوائها وزارة الآثار فى عهد الفنان العالمى الكبير «فاروق حسنى» كانت الوزارة تشجع على تناول التاريخ المصرى فى الأعمال الدرامية، كما كانت تدعم الأفلام والمسلسلات التى كانت تتناول هذا الجانب من الدراما، أما الآن فلا شىء يحدث، نحن ننتظر أن يفعل الآخرون، ننتظر أن يقوم المنتج القهوجى المقاول البقال بإعمار عقول الأجيال، غير مدركين أنه لم يعمرها إلا بحجر معسل أو صبة أسمنت أو ربع حلاوة، نشتكى من ضعف انتماء أبنائنا إلينا ونحن أبعد ما يكون عنهم.
هل نظن مثلًا أن الوطنية وحيًا إلهيًا؟ هل نعتقد أن حب الوطن ينسرب إلينا فى الأحلام؟ هل نحمل المواطن تربية روحه الوطنية لنفسه وبنفسه ومن نفسه؟ هل سألنا أنفسنا يومًا ماذا نريد من الأجيال القادمة، وماذا قدمنا لهم ليحققوا ما نريد؟