أكرم القصاص - علا الشافعي

حمدى رزق

استقالة وزير شريف

السبت، 02 مارس 2019 06:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنت على موعد مع الوزير هشام عرفات، وكنت أتمناه لقاء على متن قطار يجرى بنا على خط بنها أو طنطا، وأسجل انطباعاته، وأفكاره، وخططه المستقبلية على وقع عجلات العجلات القطار ينهب الأرض وصولا للمحطة التالية فى عملية إنقاذ السكك الحديدية التى قررها السيد الرئيس، وتحوى مخططا مدروساً موقوتاً لإعمار ما جرى تخريبه فى سنوات عجاف مضت وعبرها قطار العمر.
 
وأذكر تلك المناقشة على الهواء مباشرة التى تحدث فيها الرئيس من القلب إلى الوزير عرفات، موجهًا حديثه إلى الشعب بأن تكلفة إصلاح السكك الحديدية بالمليارات ندبرها من لحم الحى، ولن نبخل عليها لأنها تحمل أرواحًا، لافتا الانتباه إلى أن الإصلاح جد مكلف لخزينة مرهقة، والأمر يحتاج إلى تكاتف الشعب، ولكن ثعالب الإخوان والتابعين حوروا كلام الرئيس تحويرا إجراميًا، لغرض فى نفس من لا يستحون من الحقيقة ساطعة أن هذا الرجل ساقه القدر الرحيم ليتولى رعاية شؤون المصريين الذين لم يجدوا من يحنو عليهم طويلاً.
 
استقالة الوزير عرفات نوع من اللياقة السياسية، وإحساس بهول المصيبة، ورغبة فى تحمل نصيبه من الغرم، نموذج ومثال للوزير المسؤول إذا ما حدث ما ينقض مسؤوليته السياسية والأدبية والوطنية، استقال الوزير فى لحظة فارقة شاهد فيها النار تلتهم البشر وهو عاجز عن إطفائهم، لحظة إنسانية لن ينساها الوزير هشام ولن ينساها مصرى كان، صدمتنا إذ فجأة، وخطفتنا جميعا، وأيقظتنا فزعين على هول ما نرى من مشاهد رهيبة، والضحايا يفرون من النار، تمسك فيهم النار، يتفحمون على الهواء مباشرة ويدخلون البيوت فزعين عبر سائل التواصل الاجتماعى التى لم ترحمهم او ترحمنا.
 
الوزير عرفات لم يتحمل المشهد، فاستقال والنار مشتعلة، فقال البعض أراح واستراح، ولا هو أراح أحدًا، هذا رجل كان يعمل بجد فى صمت، لكن المصيبة فوق الاحتمال، ولا استراح، يقينا بكى كما بكينا، وتمزق قلبه، وتلخبطت حياته، وصار ينعى أهله بين الضحايا، من ذا الذى قال إنه فر من الحريق، الحريق نال منه كما نال من الضحايا، الحريق طالنا جميعا، حرق قلوبنا كافة.
 
الاستقالة هنا واجب، والبعض لا يزال يمارى فى الحق والواجب، واجب الوزير كان منع هذا الذى حدث، فإن حدث هنا فالمسؤولية تستوجب الاستقالة، ليس لدينا رفاهية الخسارة، الخسارة فى حادثة على السكك الحديدية وصفا «كارثة»، معركة الوطن لاتحتمل خسارة جديدة، وأى وزير سيخلفه سيواجه بإرث فظيع يجرى على السكك الحديدية وفى محطاتها وأحواشها التى تحوى عناكب بشرية من ذوات الدم البارد، سائق جرار القطار «المتهم» نموذج ومثال.
 
إعدام الوزير عرفات على حوائط الفيس بوك سهل وميسور، ولكن الحقيقة المؤكدة أن الوزير اجتهد وواصل الليل بالنهار، ولم يجلس فى مكتبه يوما، كان يتنقل من قطار إلى مترو الأنفاق، يتفقد الناس بلا حراسة، ويدون الملاحظات فى محاولة واقعية، لبحث حلول جذرية لتطوير سكك حديد مصر.
 
الاستقالة تعنى إحساسًا بالذنب، وابتعادًا عن سير التحقيقات، وتخفيفًا على الحكومة من عبء بقاء وزير تطالب برقبته الحوائط الفيسبوكية، وإفساحا لمن يأتى فيستطيع فعل ما لم يقدر عليه عرفات، لم يذهب بعيدا بل قريب بخططه وأفكاره وتعاقداته على الجرارات الروسية وعربات السكك الصينية، وإعمار القطارات القديمة فى شركة سيماف.
 
لا أملك سوى أن أعزيه فى الضحايا، والحق أن الوزير هشام لم يخن الأمانة، بل كان أمينًا مؤتمنًا، ولكن القضاء والقدر له الكلمة فى الأخير، والسكك الحديدية أطاحت بوزراء كثر، تدهمهم القطارات فى كارثة، يقالوا أو يستقالوا أو يستقيلوا، وفارق ضخم بين التوصيفات الثلاثة، والاستفالة خير وابقى فى الذاكرة لانها تاتى طواعية، تعنى الكثير أقلها الاعتبار للبشر، والأمتثال لحكم الضمير، الوقوف حدادا على الأرواح البريئة التى صعدت إلى السماء تشكو ظلم أهل الأض.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة