100 عام على ثورة 1919 العظيمة التى كانت أولى إرهاصات الشعب المصرى للوعى بذاته وتقرير مصيره ومواجهة ما يلاقيه من ظلم واستغلال وهيمنة الاحتلال البريطانى الغاشم.
فى تلك الأيام، قبل مائة عام، كان المجتمع المصرى مثله مثل المجتمع الهندى يموج بالمتناقضات، طبقة غنية ومتعلمة لكنها لا تمثل إلا نسبة ضئيلة من المصريين وطبقة فقيرة من المزارعين وصغار العمال تمثل الأغلبية المستغلة والمحرومة، وطبقة وسطى ناشئة تتطلع إلى التحرر والنهضة والانطلاق إلى آفاق جديد لمصر تضعها فى المكانة التى تستحقها، لكن الجامع بين هذه الطبقات والفئات على تنوعها واختلافها كان استكمال نضال أحمد عرابى ومواجهة الاحتلال الإنجليزى حتى يغادر البلاد وانتزاع الاستقلال والتحرر، ومن هنا ولد الشعار الخالد «الاستقلال التام أو الموت الزؤام» الذى كان علامة على تلك الثورة الوطنية الخالصة.
خالد ناجح فى كتابه «ثورة 1919 وهؤلاء» الصادر مؤخرا ضمن سلسلة كتاب الهلال، أراد أن يعيدنا من أقصر الطرق إلى أجواء وأحداث ثورة 1919، فعندما أراد أن يضع مؤلفه، لم يقرر خطة للتأليف يكون هو فيها الكاتب والمؤرخ والمفسر للأحداث، ولم يشأ أن يجعل من تلك الأحداث التى وقعت قبل مائة عام موضوعا للسجال الفكرى كما هو شائع منذ عقود بين الوفديين المتعصبين والناصريين المتطرفين، فريق يرى أنه لا ثورة إلا ثورة 1919 وفريق آخر يطعن على الثورة ويستهين بها كما يعدد مثالب زعيمها سعد زغلول
لا ، لم يشأ خالد ناجح فى كتابه إلا أمرين، الأول، أن يأخذنا أخذا إلى العالم الحى النابض للثورة عبر كتاب وفنانيين وسياسيين عاصروها أو لحقوا آثارها أو درسوها درسا عميقا، ليضعنا مباشرا وسط تيارات من الأفكار والكتابات التى تصور المجتمع المصرى من كل جوانبه إبان الثورة، ليقول إن هذا المجتمع بفنانيه وكتابه وصحافييه وعماله وفلاحينه وسياسييه واقتصادييه شاركوا بقوة وعن وعى وإيمان فى محاولة استخلاص البلاد من الاحتلال البريطانى الذى كان العدو رقم واحد للمصريين آنذاك.
أما الأمر الثانى الذى يتجلى بوضوح فى الإهداء والمقدمة والمفتتح، أى فى الخمسين صفحة الأولى التى كتبها خالد ناجح للتمهيد لمؤلفه، فهو أن الاحتلال البريطانى الذى كنا نواجهه فى ثورة 1919 لم ينته تماما، نعم حدث الجلاء الكامل للقوات البريطانية عن مصر فى 1954، ولكن الاحتلال مازالت آثاره وصوره وذيوله وتوابعه ووكلاؤه باقية فى بلدنا، الاحتلال البريطانى زال وانتهى لكن صورا كثيرة للاحتلال مازالت باقية وعلينا أن نواجهها، فالاستهداف الخارجى الصريح تارة والمتوارى خلف الحصار الاقتصادى مازال موجودا وواجب علينا مقاومته، والترصد الخارجى أو محاولات الاحتواء والتركيع عبر التقارير الحقوقية المفبركة والشائعات التى تكرس لصورة مصر التى لا تبالى بحقوق الإنسان مازالت قائمة وتعمل عليها منصات عدوة إخوانية وعربية وإقليمية وغربية، حتى تكون ذريعة يمكن أن يستخدمها سياسيا ضدنا المحتلون الجدد، والفاشية الدينية أو الجماعات الإرهابية المتطرفة التى نواجهها فى ميدان القتال بشمال سيناء أو على الحدود الغربية والجنوبية، وكذلك نواجهها على مواقع التواصل الاجتماعى والفضائيات، ما هى إلا صنيعة الاحتلال الجديد وإحدى أدواته للهيمنة بنشر الفوضى والحروب الأهلية وتفتيت المجتمعات من الداخل.
يجتهد خالد ناجح فى كتابه ليضعنا فى قلب ثورة 1919 وتفسيراتها، وكذا بين ثنايا المجتمع المصرى آنذاك بأقلام عباس العقاد ورؤوف عباس وأمينة السعيد ومصطفى أمين وحسين مؤنس وفتحى رضوان وعاصم الدسوقى والطاهر أحمد مى وجاك بيرك ومحمد الجزيرى وفاروق أبو زيدوسليمان نسيم ومحمود متولى، ليصل بنا إلى المفهوم الأساسى للكتاب، وهو أن الاحتلال البريطانى زال ولم يزل من خلال صور متعددة جاثما على صدورنا كالكابوس، وهو فى طرحه هذا لا يستعرض ولا يثير النزعات السياسية التى تفرق أو تحرف عن الهدف، ولا يريد الخروج بسبق تاريخى، إن هو إلا حامل رسالة بسيطة وواضحة، هل يمكن أن نستعيد روح ثورة 1919 أو 30 يونيو لنقف صفا واحدا أمام كل صور الاحتلال التى لا تريد الخير لبلدنا؟
سؤال ناصع وبسيط يطرحه خالد ناجح فى كتابه «ثورة 1919»، لكنه سؤال يحتاج إجابة منا جميعا، إجابة من فئات وطوائف المجتمع المصرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة